يدخل بها الجنة أو النار وأهل النار كلهم مسؤولون فإذا دخلوا الجنة واستقروا فيها ثم دعوا إلى الرؤية وبادروا حشروا في صورة لا تصلح إلا للرؤية فإذا عادوا حشروا في صورة تصلح للجنة وفي كل صورة ينسى صورته التي كان عليها ويرجع حكمه لي حكم الصورة التي انتقل إليها وحشر فيها فإذا دخل سوق الجنة ورأى ما فيه من الصور فآية صورة رآها واستحسنها حشر فيها فلا يزال في الجنة دائما يحشر من صورة إلى صورة إلى ما لا نهاية له ليعلم بذلك الاتساع الإلهي فكما لا يتكرر عليه صور التجلي كذلك يحتاج هذا المتجلي له أن يقابل كل صورة تتجلى له بصورة أخرى تنار إليه في تجليه فلا يزال يحشر في الصور دائما يأخذها من سوق الجنة ولا يقبل من تلك الصور التي في السوق ولا يستحسن منها إلا ما يناسب صورة التجلي الذي يكون له في المستقبل لأن تلك الصورة هي كالاستعداد الخاص لذلك التجلي فاعلم هذا فإنه من لباب المعرفة الإلهية ولو تفطنت لعرفت أنك الآن كذلك تحشر في كل نفس في صورة الحال التي أنت عليها ولكن يحجبك عن ذلك رؤيتك المعهودة وإن كنت تحس بانتقالك في أحوالك التي عليها تتصرف في ظاهرك وباطنك ولكن لا تعلم أنها صور لروحك تدخل فيها في كل آن وتحشر فيها ويبصرها العارفون صورا صحيحة ثابتة ظاهرة العين وهذا المنزل منزل الخبرة والمهيمن عليه الاسم الرب وهذه الصور إنما تطلبها الخبرة لإقامة الحجة عليها في موطن التكليف فالعارف يقدم قيامته في موطن التكليف التي يؤول إليها جميع الناس فيزن على نفسه أعماله ويحاسب نفسه هنا قبل الانتقال وقد حرض الشرع على ذلك فقال حاسبوا أنفسكم قبل إن تحاسبوا ولنا فيه مشهد عظيم عايناه وانتفعنا بهذه المحاسبة فيه فلم تعد علينا في الموطن الذي يحاسب الناس فيه وما أخذت هذا المقام إلا من شيخنا أبي عبد الله بن المجاهد وأبي عبد الله بن قسوم بإشبيلية فإنه كان حالهما وزدت على ابن قسوم في ذلك بمحاسبة نفسي بالخواطر وكان الشيخ لا يحاسب نفسه إلا على الأفعال والأقوال لا غير وهذا القدر كاف في التعريف بما يتضمنه هذا المنزل والله يقول الحق وهو يهدي السبيل قيل لي قل في آخر كل منزل سبحانك اللهم وبحمدك لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك (الباب الخامس والثمانون ومائتان في معرفة منزل مناجاة الجماد ومن حصل فيه حصل من الحضرة المحمدية والموسوية نصفها) تناجيني العناصر مفصحات * بما فيها من العلم الغريب فاعلم عند ذاك شفوف جسمي * على نفسي وعقلي من قريب فيا قومي علوم الكشف تعلو * بما تعطي على علم القلوب فإن العقل ليس له مجال * بميدان المشاهد والغيوب فكم للفكر من خطأ وعجز * وكم للعين من نظر مصيب ولولا العين لم يظهر لعقل * دليل واضح عند اللبيب أما قولنا وكم للعين من نظر مصيب فإنما جئنا به صنعة شعرية لما قلنا قبل في صدر البيت وإنما المذهب الصحيح إن العين لا تخطئ أبدا لا هي ولا جميع الحواس فإن إدراك الحواس الأشياء إدراك ذاتي ولا تؤثر العلل الظاهرة العارضة في الذاتيات وإدراك العقل على قسمين إدراك ذاتي هو فيه كالحواس لا يخطئ وإدراك غير ذاتي وهو ما يدركه بالآلة التي هي الفكر وبالآلة التي هي الحس فالخيال يقلد الحس فيما يعطيه والفكر ينظر في الخيال فيجد الأمور مفردات فيحب أن ينشئ منها صورة يحفظها العقل فينسب بعض المفردات إلى بعض فقد يخطئ في النسبة الأمر على ما هو عليه وقد يصيب فيحكم العقل على ذلك الحد فيخطئ ويصيب فالعقل مقلد ولهذا اتصف بالخطأ ولما رأت الصوفية خطأ النظار عدلوا إلى الطريقة التي لا لبس فيها ليأخذوا الأشياء عن عين اليقين ليتصفوا بالعلم اليقيني فإن الجاهل قد يتصف بالعلم فيما جهله ولا يتصف باليقين ولهذا جاز أن يضاف العلم إلى اليقين وليس من إضافة الشئ إلى نفسه لا لفظا ولا معنى فأما اللفظ فإن لفظة اليقين ما هي لفظة العلم فجازت الإضافة ومن طريق المعنى
(٦٢٨)