فعصى الله في أمره فسماه الله كافرا فإنه جمع بين المعصية والجهل والإنسان ادعى أنه الرب الأعلى فلهذا خص بالخطاب في قوله أولا يذكر الإنسان فلذا قلنا الفناء أي أحاله على هذه الصفة أن يكون مستحضرا لها وأما الفعل الخاص بكل خلق فهو إعطاؤه ما يستحقه كل خلق مما تقضيه الحكمة الإلهية وهو قوله أعطى كل شئ خلقه ثم هدى أي بين أنه تعالى أعطى كل شئ خلقه حتى لا يقول شئ من الأشياء قد نقصني كذا فإن ذلك النقص الذي يتوهمه هو عرض عرض له لجهله بنفسه وعدم إيمانه إن كان وصل إليه قوله أعطى كل شئ خلقه فإن المخلوق ما يعرف كماله ولا ما ينقصه لأنه مخلوق لغيره لا لنفسه فالذي خلقه إنما خلقه له لا لنفسه فما أعطاه إلا ما يصلح أن يكون له تعالى والعبد يريد أن يكون لنفسه لا لربه فلهذا يقول أريد كذا وينقصني كذا فلو علم أنه مخلوق لربه لعلم أن الله خلق الخلق على أكمل صورة تصلح لربه أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين وهذه المسألة مما أغفلها أصحابنا مع معرفة أكابرهم بها وهي مما يحتاج إليها في المعرفة المبتدى والمنتهي والمتوسط فإنها أصل الأدب الإلهي الذي طلبه الحق من عباده وما علم ذلك إلا القائلون ربنا وسعت كل شئ رحمة وعلما وأما الذين قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء فما وقفوا على مقصود الحق من خلقه الخلق ولو لم يكن الأمر كما وقع لتعطل من الحضرة الإلهية أسماء كثيرة لا يظهر لها حكم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لو لم تذنبوا لجاء الله بقوم يذنبون فيستغفرون فيغفر الله لهم فنبه إن كل أمر يقع في العالم إنما هو لإظهار حكم اسم إلهي وإذا كان هكذا الأمر فلم يبق في الإمكان أبدع من هذا العالم ولا أكمل فما بقي في الإمكان إلا أمثاله إلى ما لا نهاية له فاعلم ذلك فهذا فعله في الخلق وأما الجواب العام في هذه المسألة أن يقال فعله في الخلق ما هو الخلق عليه في جميع أحواله (السؤال الحادي والتسعون) وبما ذا وكل يعني الحق الجواب وكل بتمشية أوامر الله وإنفاذ كلماته لا غير فهو مخصوص بالشرائع الإلهية سنها من سنها كما قال تعالى ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم فذمهم لما لم يرعوها فقال فما رعوها حق رعايتها وقال صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها فالخير يطلب الثواب بذاته والشرع مبين للناس توقيت ذلك الثواب كقوله من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها وقال الله لداود يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض لمن تقدمك أو نيابة عنا بالاسم الظاهر الذي لنا فقد خلعناه عليك لتظهر به في خلقي فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فعرفنا إن الحق سبحانه قد وكل الحق بتمشية دينه فقال لخلفائه احكموا بما يقتضيه أمر هذا الوكيل ولا تتبعوا الهوى وهو إرادة النفوس التي يخالفها حكم الحق الموكل بتمشية الكلمات الإلهية المشروعة وكل مخاطب راع ومسئول عن رعيته فكان العدل صفة هذا الحق الذي وكله الله أن يصرفها في المخلوقات بمساعدة الخلفاء والله المرشد (السؤال الثاني والتسعون) وما ثمرته يعني فيمن حكم به من الخلفاء الجواب الوقوف دائما مع العبودة هذه ثمرته ولكن جوائح الربوبية تمنع من ظهور هذه الثمرة ولا سيما في البشر ولكن له ثمرة أخرى دون هذه الثمرة وهو أن يكون الحق سمعه وبصره وجميع قواه ثم إن له في كل شخص من الثمر بحسب ما أمضاه في سلطانه من أحكامه وأما ثمرته التي يعمل عليها ولها أكثر العقلاء من أهل الله فتهيؤ مراداتهم بمجرد الهمم فمنهم من ينال ذلك في الدنيا ومنهم من يدخر له ذلك إلى يوم القيامة فإن أكابر الرجال مع معرفتهم بما خلقوا له لو وقفوا مع التكوين قوبلوا ولكنهم تركوا الحق يتصرف في خلقه كما هو في نفس الأمر وأبوا أن يكونوا محلا لظهور التصريف وإن ظهر عليهم من ذلك شئ فما هو عن قصد منهم لذلك ولكن الله أجراه لهم وأظهره عليهم لحكمة علمها الحق وهؤلاء عن ذلك بمعزل وأما إن يقصدوا ذلك فلا يتصور منهم إلا أن يكونوا مأمورين كالرسل عليهم السلام فذلك إلى الله وهم لا يعصون الله ما أمرهم فإنهم معصومون من إضافة الأفعال إليهم إذا ظهرت منهم فيقولون هي للظاهر من أسمائه في مظاهره فما لنا وللدعوى فنحن لا شئ في حال كوننا مظاهر له وفي غير هذه الحال وهذا المقام يسمى راحة الأبد والقائم فيه مستريح وهذا هو الذي وفي الربوبية حقها لأن الحكم للمرتبة لا للعين ألا ترى أن السلطان تمشى أوامره في مملكته فلا يعصى ويخاف ويرجى وما
(٩٦)