فانقطعت بإذن الله لا بقطعهم وبإذن الله لا بتركهم مع كونهم موصوفين بالقطع والترك فإنه لا يناقض إذن الله فإن إذن الله لها في هذه الصورة كالاستعداد في الشئ فالشجرة مستعدة للقطع فقبلته من القاطع فقوله فبإذن الله يعني للشجرة كقوله فيكون طائرا بإذني فالنفخ من عيسى لوجود الروح الحيواني إذ كان النفخ أعني الهواء الخارج من عيسى هو عين الروح الحيواني فدخل في جسم هذا الطائر وسرى فيه إذ كان هذا الطائر على استعداد يقبل الحياة بذلك النفس كما قبل العجل الحياة مما رمى فيه السامري فطار الطائر بإذن الله كما خار عجل السامري بإذن الله ولهذا قال وليجزي الفاسقين الخارجين عن معرفة هذا الأذن الإلهي الذي قطع هذه الشجرة وترك الأخرى ولشيوخنا في هذا المقام حدود أذكر منها ما تيسر وأبين عن مقاصدهم فيها بما يقتضيه الطريق وهكذا أفعل إن شاء الله في كل مقام إذا وجدنا لهم فيه كلاما على أنهم إذا سألوا عن ماهية الشئ لم يجيبوا بالحد الذاتي لكن يجيبون بما ينتج ذلك المقام فيمن اتصف به فعين جوابهم يدل على إن المقام حاصل لهم ذوقا وحالا وكم من عالم بحده الذاتي وليس عنده منه رائحة بل هو عنه بمعزل بل ليس بمؤمن رأسا وهو يعلم حده الذاتي والرسمي فكان الجواب بالنتائج والحال أتم بلا خلاف فإن المقامات لا فائدة فيها إلا أن يكون لها أثر في الشخص لأنها مطلوبة لذلك لا لأنفسها والله المرشد واختلف أصحابنا ما أول منزل من منازل السالكين فقال بعضهم اليقظة وقال بعضهم الانتباه وقال بعضهم التوبة وروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الندم توبة فقد يخرج مخرج قوله الحج عرفة ولو قال صلى الله عليه وسلم الندم التوبة لكان أقرب إلى الحد من قوله الندم توبة وقد تقدم الكلام في الشروط الثلاثة المصححة للتوبة في هذا الباب قال بعضهم وهو أبو علي الدقاق التوبة على ثلاثة أقسام لأن لها بداية ووسطا وغاية فبدؤها يسمى توبة ووسطها يسمى إنابة وغايتها يسمى أوبة فالتوبة للخائف والإنابة للطائع والأوبة لراعي الأمر الإلهي يشير بهذا التقسيم إلى أن التوبة عنده عبارة عن الرجوع عن المخالفات خاصة والخروج عما يقدر عليه من أداء حقوق الغير المترتبة في ذمته مما لا يزول إلا بعفو الغير عن ذلك أو القصاص أو رد ما يقدر على رده من ذلك وقال رويم وقد سئل عن التوبة التوبة من التوبة كما قال ابن العريف قد تاب أقوام كثير وما تاب من التوبة إلا أنا ومقالات القوم في التوبة كثيرة مذكورة في كتب المقامات للمنذري والقشيري والمطوعي وعمرو بن عثمان المكي وغيرهم فلينظر هنالك (الباب الخامس والسبعون في ترك التوبة) متى خالفته حتى تتوب * فترك التوب يؤذن بالشهود فقل للتائبين لقد حجبتم * عن إدراك الحقائق بالورود فممن أو إلى من قد رجعتم * وليس سوى المسود والمسود فمن عين الذي قد جئت منه * إليه به ومن عين العبيد وأسماء الإله هي التي لم * تزل موصوفة بسنا الوجود اعلم وفقك الله أنه من كان صفته وهو معكم أينما كنتم وهو بكل شئ محيط وألم يعلم بأن الله يرى والذي يراك حين تقوم ونحن أقرب إليه من حبل الوريد ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلا يتوب إلا من لا يشعر ولا يبصر هذا القرب والشعور علم إجمالي قطعي إن ثم مشعورا به لكن لا يعلم ما هو ذلك المشعور به فالعلم بالله شعور والشعور لا علم بما هو عليه المشعور به وعلمه بنا ليس كذلك فلا يصرف العبد معناه إلى معنى إلا والحق في الصارف والمصروف والصرف فإلى أين أتوب إن نادى فهو المنادي لأنه لا ينادي إلا من يسمع وهو سمعك فلا تسمع إلا به فما فقدته في ندائه إياك هذا حد العلم الصحيح ولهذا لم يأمر بالتوبة إلا المؤمنين فقال وتوبوا إلى الله جميعا أيه المؤمنون بغير ألف لحكمة أخفاها يعرفها العالم ولا يشعر بها المؤمن فهي بالألف هاء التنبيه إذا قال أيها المؤمنون وهي بغير الألف هي هويته قرأها الكسائي برفع هاء أيه وحذف الواو لالتقاء الساكنين يقول هو المؤمنون لأنه المؤمن وما يسمع
(١٤٣)