ذوقا ومن عرف مثل هذا ذوقا كان متمكنا من الاتصاف بمثل هذه الصفة وهذا هو علم سر القدر الذي ينكشف لهم إذا كانوا في هذا المنزل وبهذه القوة (السؤال الثامن والثلاثون) ما الأذن في الطاعة والمعصية من ربنا الجواب قال تعالى إن الله لا يأمر بالفحشاء فالإذن الذي تشترك فيه الطاعة والمعصية هو الأذن الإلهي في كون المأذون فيه فعلا لا من طريق الحكم لأن حكمه في الأشياء بالطاعة والمعصية هو عين علمه بها بهذه الحالة فلا يكون مرادا فلا يكون الحكم مأمورا به والمحكوم به وعليه هو المراد والمأمور به فلا يصح الأذن في الطاعة والمعصية من حيث إنها طاعة ومعصية قال تعالى وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله من حيث إنها فعل فما لهؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا فأنكر عليهم أن تكون السيئة من عند محمد صلى الله عليه وسلم كما قال في موسى يطيروا بموسى ومن معه فقال لهم وما أصابك من سيئة فمن نفسك لا من محمد صلى الله عليه وسلم فاحتجاجنا في مسألتنا إنما هو بقوله قل كل من عند الله فأضاف الكل إلى الله والكل خير وهو بيده والشر ليس إليه فأوهم السائل المسؤول بلفظ الطاعة والمعصية ليرى ما عنده من العلم فإنه سؤال ابتلاء منه لمدعي علم الحقائق من طريق الكشف وقد قررنا هذا الفصل في كتاب المعرفة لنا (السؤال التاسع والثلاثون) وما العقل الأكثر الذي قسمت العقول منه لجميع خلقه الجواب لما كان في نفس الأمر يقتضي أن يكون مراتب المعلومات من الممكنات ثلاثا مرتبة للمعاني المجردة عن المواد التي من شأنها أن تدرك بالعقول بطريق الأدلة والبداية ومرتبة من شأنها أن تدرك بالحواس وهي المحسوسات ومرتبة من شأنها أن تدرك بالعقل أو الحواس وهي المتخيلات وهي تشكل المعاني في الصور المحسوسة تصورها القوة المصورة الخادمة للعقل يقتضي ذلك أمر يسمى الطبيعة فيما ينشأ منها من الأجسام الإنسانية والجنية فلما إن شاء الله أن يوضح للمكلفين من عباده أسباب سعادتهم على ألسنة رسله من البشر إليهم بوساطة الروح العلوي المنزل بذلك على قلوب بعض البشر المسمين رسلا وأنبياء أجرى المعاني في المخاطبات مجرى المحسوسات في الصور التي تقبل التجزي والانقسام والقلة والكثرة وجعل محل ذلك حضرة الخيال فحصروا المعاني في الخطاب فتلقتها بالتشبيه العقول كما تتلقى بالمحسوسات التي شبهت بها هذه المعاني التي ليس من شأنها بالنظر إلى ذاتها أن تكون متحيزة أو منقسمة أو قليلة أو كثيرة أو ذات حد ومقدار وكيف وكم وجعل لنا الدليل على قبول ما أتى به من هذا القبيل في هذه الصور ما يراه النائم في نومه من العلم في صورة اللبن فيشربه حتى يرى الري يخرج من أظفاره فقيل له ما أولته يا رسول الله يريد ما تؤول إليه صورة ما رأيت فقال العلم ومعلوم أن العلم ليس بجسم يسمى لبنا ولا هو لبن وإنما هو معنى مجرد عن الصور التي من شأنها أن تدركها الحواس فكان منها ما قال الشارع في تقسيم العقول على الناس كما تقسم الحبوب فمن الناس من حصل له من العقل الممثل في الصور التي من شأنها أن تكال القفيز والقفيزين والأكثر والأقل والمد والمدين والأكثر من ذلك والأقل ليبين بهذا تفاضل الناس في العقول لأنه المشهود عندنا لأنا نرى أشخاصا كلهم يتصفون بأنهم عقلاء ذوو أحلام فمنهم من يدرك عقله غوامض الأسرار والمعاني ويحمل صورة الكلمة الواحدة من الحكيم على خمسين وجها ومائة وأكثر وأقل من المعاني الغامضة والعلوم العالية المتعلقة بالجناب الإلهي أو الروحاني أو الطبائع أو العلم الرياضي أو الميزان المنطقي وعقل شخص ينزل عن هذه الدرجة إلى ما هو أقل وآخر ينزل دون هذا الأقل وعقل آخر يعلو فوق هذا الأكبر فلما شاهدنا تفاوت العقول احتجنا أن نقسمها على الأشخاص تقسيم الذوات التي تقبل الكثرة والقلة ويسمى المعنى القابل لهذه القسمة المعنوية الممثلة العقل الأكثر أي الذي قسمت منه هذي العقول التي في العقلاء من الموجودات بحسب ما بينهم من التفاوت وصورة تكوين العقول من هذا العقل الأكبر في تحقيق الأمر بطريق التمثيل والتشبيه الأقرب إلى المناسب بالسراج الأول فتوقد منه جميع الفتائل فتتعدد السرج بعدد الفتائل وتقبل الفتائل من نور ذلك السراج بحسب استعداداتها ففتيلة طبيعية في غاية النظافة صافية الدهن وافرة الجسم يكون قبولها أعظم في اتساع النور وفي
(٦٦)