في قيام البيت عليها فقد بينا لك ذلك حتى لا تتخيل أن الحق في أحد القولين ومع إحدى الطائفتين فكل طائفة منهما صادقة فلهذا أخبرتك بكيفية ذلك وهكذا جميع ما يظهر للناس أنهم اختلفوا فيه فليس بين القوم بحمد الله خلاف فيما يتحققون به بل هم في شغلهم أصح وأحق من أهل الحس فيما يدركونه بحواسهم واعلم أن الدخول لهذا المنزل من الدينار الثاني الذي للرجولية والنهاية فيه إلى الدينار الرابع وهو تمام الرجولية التي بها يسمى الشخص رجلا كما قد قدمناه في ترتيب الايمان والولاية والنبوة والرسالة ولا خامس لها يكون خامس خمسة بل قد يكون لها خامس أربعة فاعلم ذلك وإذا تفطنت إلى ما فصله الحق تعالى عرفت أنت تفصيله فيما أجمله في قوله ولا أدنى من ذلك يعني الاثنين ولا أكثر يعني السبعة فما فوقها من الأفراد ففصل الحق بقوله ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولم يقل ولا أربعة إلا هو خامسهم فعرفنا من أدنى ذلك وأكثر أنه يريد الأفراد يشفعها بما ليس منها فتحققنا إن الغيرة حكمت هنا فلم تثبت لأحد فردية إلا شفعتها هوية الحق حتى لا تكون الأحدية إلا له فلا يشفع فرديته مخلوق ويشفع هو فردية المخلوقين ولذلك قال وهو معكم أينما كنتم ولم يقل وأنتم معه لأنه مجهول المصاحبة فيعلم سبحانه كيف يصحبنا ولا نعرف كيف نصحبه فالمعية له ثابتة فينا منفية عنا فيه فلم يقل ولا أربعة إلا هو خامسهم ولا اثنين إلا هو ثالثهما لأن الغيرة لا تتعلق بالشفعية في الأكوان لأن الشفع لها حقيقة وإنما تتعلق بالوترية إذا نسبت إلى الأكوان وهي لا تستحقها فنوترها بالحق ليكون الظهور له تعالى في الأشياء وهذا من أقوى الدلائل على وصفه تعالى بالغيرة لأنها مشتقة من رؤية الغير لأنه يستدعي المشاركة والله برئ من مشاركة الغير فهو برئ أن يكون غير الأحد أو يكون أحد غير إله قال صلى الله عليه وسلم لا أحد أو كما قال أغير من الله فوصفه بالغيرة وحكمها في هذا المقام قوي فهذا قد ذكرنا نبذا مما يعطيه هذا المنزل على ضيق الوقت والله يقول الحق وهو يهدي السبيل وفي هذا المنزل من العلوم علم الأحدية والفرق بينها وبين الوحدانية وعلم النسب الإلهي يقول الله تعالى يوم القيامة اليوم أضع نسبكم وأرفع نسبي أين المتقون وعلم البسائط والعلم الضروري وعلم التماثل والحمد لله رب العالمين (الباب الثالث والسبعون ومائتان في معرفة منزل الهلاك للهوى والنفس من المقام الموسوي) هلاك الخلق في الريح * إذا ما هب في اللوح ولاذ بغير مولاه * إله الجسم والروح ووعر مسلكا سهلا * بما قد جاء في نوح وفي لوط فيا نفسي * على ما قلته نوحي ولولا العشق آداه * بريق من سنا يوحي اعلم أن الله تعالى لما خلق الأفلاك وعمرها بالأملاك وقدر للكواكب السبعة السيارة فيها منازل تجري فيها إلى أجل مسمى تعين الزمان بجريانها وسباحتها وخلق المكانة قبل الأمكنة ومد منها رقائق إلى أمكنة مخصوصة في السماوات السبعة والأرض ثم أوجد المتمكنات في أمكنتها على قدر مكانتها فكان من تقدير الله العزيز العليم إن خلق عقلا من العقول أعلاما بما أودعه فيه من صفة القدرة لا من صفة غيرها خصه بذلك على أبناء جنسه وذلك من الاسم الظاهر الذي يختص بهذا العقل فالقى إليه ذلك بضرب من القهر سار فيه مودة لها ثلج وبرد وسرور فتفجرت فيه خمسة أنهار من العلم من الاسم الأول والآخر الذي يختص به هذا العقل ثم جرت هذه الأنهار في الاسم الباطن الذي له فتقدست أوليته على سائر الأوليات وآخريته على سائر الآخريات وكذلك ظاهره وباطنه وصدر عن أم الكتاب الذي عنده حضرة تسمى أم الجمع أدخلني الحق إياها فرأيتها ورأيت ظاهرها وباطنها وعاينت مكان هذا العقل منها نكتة سوداء مستورة نقية ما بين حمرة وصفرة وعاينت الرقيقة التي بين المكانة وهذا المكان المعين ورأيت موسى وهارون ويوسف عليهم السلام ناظرين إلى هذا العقل وفرع سبحانه من هذه الحضرة الجامعة التي اختصها لنفسه حضرات لا يعلم عددها إلا الله في السماء والأرض وما بينهما وما تحت الثرى إلى حد الاستواء كل هذه الحضرات للحق إليها نظر
(٥٨٢)