فقد قبض بكلتا يديه على ما اعتقده ولكن لا تفقهون تسبيحهم فلو كان تسبيحهم راجعا إلى أمر واحد لم يجهل أحد تسبيح غيره وقد قال الله إن تسبيح الأشياء لا يفقه فدل على إن كل شئ يسبح إلهه بما تقرر عنده منه مما ليس عند الآخر ولما كان في قضية العقل إن الله عز وجل لا يكون محصورا وفي قضية الوقوع وجود الحصر وصف نفسه في آخر الآية بأنه حليم فلم يؤاخذ مع القدرة من زعم أن الحق على وصف كذا خاصة وما هو على وصف كذا ووصف نفسه في آخر هذه الآية بأنه غفور لما ستر به قلوبهم عن العلم به إلا من شاء من عباده فإنه أعطاه العلم به على الإجمال وقال ليس كمثله شئ لأنه عين كل شئ بدليل العلامة التي ثبتت عنه والشئ لا يكون مثلا لعينه لأنه عين كل شئ في كل ظل وكل فئ وكل طائفة سوى أهل الله قد نزهته أن يكون كذا ولهذا أخبر عنهم فقال وإن من شئ إلا يسبح أي ينزه بحمده أي بالثناء عليه والتنزيه البعد وما ذكر الله أنه أمرهم بتسبيحه بل أخبر أنهم يسبحون بحمده فاجعل بالك لقول الله في تلاوتك لما يقوله ربك عن نفسه وما يقوله العالم عنه وفرق ولا تحتج فيه إلا بما قاله عن نفسه لا بما يحكيه من قول العالم فيه تكن من أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته وحقيقة حال القبض الإلهي في إخباره تعالى عن نفسه ما ترددت في شئ أنا فاعله ترددي في قبض عبدي المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته ولا بد له من لقائي فوصف نفسه بالكراهة وكل كاره فحاله القبض فافهم ما نبهتك عليه تعثر على الحق وقد حصل في هذا الخبر أمر ان موجبان للقبض وهما التردد والكراهة والغضب المنسوب إليه والغضب حكم قبض بلا شك ولكن لما كان الجناب الإلهي في اعتقاد العامة يضيق المجال فيه الذي وسعه الشارع لم نقدر على إيضاح الأمر على ما هو عليه ذلك الجناب الإلهي إذ له الاتساع الذي لا ينبغي إلا له ومن أسمائه الواسع وهو من أعظم الأسماء إحاطة وهو الاسم الذي يتضمن الأسماء الإلهية التي تطلبها الأكوان كلها لاتساعه وهي أكثر من أن تحصى كثرة وأعيانها معلومة عند أهل الله تعالى في قوله عز وجل يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله فمن كحل عين بصيرته بكحل الكشف علم ما قلناه وكل أثر وخبر ورد فيه القهر الإلهي فإنه من باب القبض الإلهي ومن هناك ظهر القبض فينا فمن وفي مقام القبض حالا وذوقا كان قبضه إلهيا بلا شك وأما القبض الذي هو عن حال الخوف كما يراه بعضهم فذلك قبض خاص يتعلق بالنفس وسواء خاف صاحبه على نفسه أو على غيره فإن كان خوفه على غيره صحبه الإشفاق إذ كان آمنا على نفسه وكخوف الأنبياء على أممهم يوم القيامة فهم وأمثالهم ممن يحزنهم الفزع الأكبر من أجل أممهم وهم ممن لا يحزنهم الفزع الأكبر من أجل أنفسهم والقبض حال خوف أبدا إلا القبض المجهول سببه فإنه أيضا مجهول الخوف فإذا ورد القبض المجهول على قلب العارف سكن تحته ولم يتحرك رأسا حتى ينقدح له السبب فيعمل عند ذلك بحسب ما تقتضيه حقيقة ذلك السبب من الأثر فيه في أي جانب ظهر من حق وخلق وهو من المقامات المستصحبة إلى أول قدم يلقيه في الجنة فيرتفع عنه ولا يتصف به أبدا كما يرتفع بعض حكم الأسماء الإلهية الموجودة هنا وفي الآخرة بانقضاء مدة حكمها فلا تجد قابلا فترتفع بارتفاع حكمها إذ كانت عين حكمها ومن هنا تعلم أن أعيان الأسماء الإلهية هي أعيان أحكامها ولذلك تبقي أعيانها ما بقيت أحكامها وتفني بفناء أحكامها فلو كانت الأسماء الإلهية راجعة إلى ذات المسمى موجودة قائمة بها لم يصح فناؤها ولا فناء أحكامها ولو كانت أيضا راجعة إلى ذات المسمى لكان حكمها كذلك فلم يبق أن تكون إلا لنسب وإضافات لا وجود لها في عينها فلذلك قلنا إنها عين أحكامها فتزول بزوال الحكم وتثبت بثبوته (الباب التاسع عشر ومائتان في معرفة البسط وأسراره) البسط حال ولكن ليس يدريه * إلا الإله الذي أقامنا فيه له التحكم في الأكوان أجمعها * به الوجود الذي تبدو معانيه وليس يحجبه عنا سوى قدر * وهو الذي عن عيون الخلق يخفيه البغي حكم له إن كنت ذا نظر * جاء الكتاب به لو كنت تدريه في عالم الخلق هذا الحكم ليس له * في عالم الأمر هذا في تجليه
(٥١٠)