ولا بالوجود وهو إدراك الأفئدة مما ذكر فالممكنات على عدم تناهيها في ظلمة من ذاتها وعينها لا نعلم شيئا ما لم تكن مظهرا لوجوده وهو ما يستفيده الممكن منه وهو قوله تعالى على نور من ربه فخلق هنا بمعنى قدر قال تعالى وخلق كل شئ فقدره تقديرا فقدرهم ولم يكونوا مظهرا لكن كانوا قابلين لتقديره فأول أثر إلهي في الخلق التقدير قبل وجودهم وأن يتصفوا بكونهم مظاهر للحق فالتقدير الإلهي في حقهم كإحضار المهندس ما يريد إبرازه مما يخترعه في ذهنه من الأمور فأول أثر في تلك الصورة إنما هو ما تصوره المهندس على غير مثال وآية هذا المقام قوله يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون أي انتقالكم من وجود الدنيا إلى وجود الآخرة أقرب في العلم إن كنتم موقنين من انتقالكم من حال عدم إلى حال وجود فأنتم في الظلمة فيكم وأنتم في الوجود فيه غير أن لكم انتقالات في وجوده وظلمتكم تستصحبكم لا تفارقكم أبدا وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون ولم يقل نجعلهم في ظلمة بل زوال عين النور الذي هو الوجود هو عين كونكم مظلمين أي تبقي أعيانكم لا نور لها أي لا وجود لها ولو لم تكن الظلمة نسبة عدمية وهي كون ذواتكم العينية معدومة لكانت الظلمة من جملة الخلق فكانت الظلمة تستدعي أن تكون في ظلمة والكلام في تلك الظلمة كالكلام في الأولى ويتسلسل فإن قوله خلق الله الخلق في ظلمة قد يريد بالخلق هنا المخلوقات والظلمة إذا كانت أمرا وجوديا فهي مخلوقة فتكون أيضا في ظلمة وإذا كان الخلق هنا مصدرا كأنه قال قدر الله التقدير في ظلمة أي في غير موجودين يعني تلك الأعيان وانظر في قوله تعالى يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ثم إن الله تعالى في الوجود الأخروي إذا أراد الله بتبديل الأرض كان الخلق في الظلمة دون الجسر فالظلمة تصحيهم بين كل مقامين إذا أراد الله أن يوجدهم في عالم آخر أي ينشئهم نشأة أخرى لم تكن في أعيانهم فيعلمون بتغير الأحوال عليهم أنهم تحت حكم قهار فيكونون في حال وجودهم مثل حالهم في العدم ولهذا نبه الحق سبحانه عقولنا بقوله تعالى أو لا يذكر الإنسان إنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا أي قدرناه في حال شيئيته المتوجه عليها أمره إلى شيئية أخرى لقوله تعالى إنما قولنا لشئ إذا أردناه يعني في حال عدمه أن نقول له كن كلمة وجودية من التكوين فسماه شيئا في حال لم تكن فيه الشيئية المنفية بقوله ولم تك شيئا فلا بد أن يعقل العارف ما الشيئية الثابتة له في حال عدمه في قوله إنما قولنا لشئ وما الشيئية المنفية عنه في حال عدمه في قوله ولم تك شيئا فالظلمة التي خلق الله فيها الخلق نفي هذه الشيئية عنهم والنفي عدم محض لا وجود فيه وقد ذكر المفسرون معنى قوله في ظلمات ثلاث وليس المقصود إلا ما ذكره صاحب السؤال وأما الآية فمعلوم أمرها عند العلماء بالله في خلق مخصوص وهو الخلق في الرحم لا غير انتهى الجزء الثاني والثمانون (بسم الله الرحمن الرحيم) (السؤال الحادي والعشرون) فما قصتهم هناك يعني قصة المخلوقين الجواب قصتهم هناك الانتظار لما يكسوهم الحق من حلل نور الوجود لكل مخلوق نور على قدره ينفق منه وهو النور الذي يمشون فيه يوم القيامة فإن يوم القيامة ليس له ضوء جملة واحدة والناس لا يسعون فيه إلا في أنوارهم ولا يمشي مع أحد منهم غيره في نوره كما قال عليه السلام بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة وهو الجمع بين النورين بين نورهم المبطون في أعيانهم الظاهر هناك وبين النور المبطون في ظلمة الليل الذي ينوب عنه السراج في نفي تلك الظلمة عن طريق الماشي والمسجد بيت الله يسعى إليه لمناجاته كذلك هذا النور لا يكون لهم إلا في الوقت الذي يدعون فيه إلى رؤية ربهم الذي ناجوه هنا فيمشون في ذلك الوقت في النور الذي كان مبطونا في الظلمة التي سعوا فيها في صلاة الصبح والعشاء إلى المساجد وانتظارهم هو انتظار حال فإنهم غير موصوفين في تلك الظلمة بالعلم لأن الاتصاف بالعلم تابع للوجود وهم غير موجودين بل هم في شيئيتهم القابلة لقول التكوين ولما جعل الظلمة ظرفا للخلق كذلك قال هناك فأتى بما يدل على الظرف فهم قابلون للتقدير وإن كان قوله في ظلمة في موضع الحال من الخالق فيكون المراد به العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته
(٦٢)