فتكون غاصبا والصلاة في الدار المغصوبة لا تجوز بخلاف والدعاء إلى الله صلاة والإخلاص فيها الحرية عن استرقاق من يدعوهم إليه فهذا هو محل الغني بالله وهنا يستعمل فإن عدلت به إلى غير هذا فقد أخسرت الميزان والله يقول ولا تخسروا الميزان وأن لا تطغوا في الميزان فتخرجوه عن حده وهو قوله لا تغلوا في دينكم والغلو والطغيان هما الرفعة فوق الحد الذي يستحقه المتغالي فيه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الرابع والستون ومائة في معرفة مقام التصوف) فاعلم إن التصوف تشبيه بخالقنا * لأنه خلق فانظر ترى عجبا كيف التخلق والمكر الخفي له * في خلقه وبهذا القدر قد حجبا وذمه في صفات الخلق فاعتبروا * فيه فذا مثل للعقل قد ضربا إن الحديد إذا ما الصنع يدخله * في غير منزلة يرده ذهبا كذلك الخلق المذموم يرجع * محمودا إذا هو للرحمن قد نسبا أن التصوف أخلاق مطهرة * مع الإله فلا تعدل به نسبا قال أهل طريق الله التصوف خلق فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك في التصوف وسألت عائشة أم المؤمنين عن خلق رسول الله ص فقالت كان خلقه القرآن وإن الله أثنى عليه بما أعطاه من ذلك فقال وإنك لعلى خلق عظيم ومن شرط المنعوت بالتصوف أن يكون حكيما ذا حكمة وإن لم يكن فلا حظ له في هذا اللقب فإنه حكمة كله فإنه أخلاق وهي تحتاج إلى معرفة تامة وعقل راجح وحضور وتمكن قوي من نفسه حتى لا تحكم عليه الأغراض النفسية وليجعل القرآن أمامه صاحب هذا المقام فينظر إلى ما وصف الحق به نفسه وفي أي حالة وصف نفسه بذلك الذي وصف نفسه ومع من صرف ذلك الوصف الذي وصف به نفسه فليقم الصوفي بهذا الوصف بتلك الحال مع ذلك الصنف فأمر التصوف أمر سهل لمن أخذه بهذا الطريق ولا يستنبط لنفسه أحكاما ويخرج عن ميزان الحق في ذلك فإنه من فعل ذلك لحق بالأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا فإن الله لا يقيم له يوم القيامة وزنا كما أنهم لم يقيموا للحق هنا وزنا فعادت عليهم صفتهم فما عذبهم بغيرهم فتأمل قوله تعالى في كتابه فإنه ما ذكر صفة قهر وشدة إلا وإلى جانبها صفة لطف ولين حيثما كان من كتاب الله ثم إن أفرد صفة منها ولم يذكر إلى جانبها ما يقابلها أطلبها تجد مقابلها في موضع آخر مفردا أيضا فذلك المفرد المقابل هو لهذا المفرد المقابل والغالب الجمعية قال تعالى نبئ عبادي إني أنا الغفور الرحيم ثم أردف بالمقابل فقال تعالى وأن عذابي هو العذاب الأليم وقال إن ربك لسريع العقاب ثم أردف بالمقابل فقال وإنه لغفور رحيم وقال وإن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم ثم أردف فقال وإنه لشديد العقاب وتتبع هذا تجده كما ذكرناه لك ثم إنه ما ذكر نعتا من نعوت أهل السعادة إلا وذكر إلى جانبه نعتا من نعوت أهل الشقاء إما بتقديم أو تأخير قال تعالى وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة في أهل السعادة ثم عطف فقال ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة وقال تعالى في حال أهل السعادة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ثم عطف فقال في أهل الشقاء ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة والوجوه هنا عبارة عن النفوس الإنسانية لأن وجه الشئ حقيقته وذاته وعينه لا الوجوه المقيدة بالأبصار فإنها لا تتصف بالظنون ومساق الآية يعطي أن الوجوه هنا هي ذوات المذكورين وقال في الأشقياء وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلي نارا حامية ثم عطف بالسعداء فقال ووجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية وقال في أحوال السعداء فأما من أوتي كتابه بيمينه فذكر خيرا ثم عطف وقال وأما من أوتي كتابه بشماله فذكر شرا وكذلك قوله من كان يريد العاجلة عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثم جعلنا له جهنم يصلاها ثم عطف وقال ومن كان يريد الآخرة وسعى لها سعيها وقال في العناية فألهمها فجورها ثم عطف فقال وتقواها وقال قد أفلح من زكاها ثم عطف وقد خاب من دساها وقال فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى ثم عطف
(٢٦٦)