حبك إياه مع إحساسك بأنك تحبه فلم تفرق وهو تجلى المعرفة فالمحب لا يكون عارفا أبدا والعارف لا يكون محبا أبدا فمن ههنا يتميز المحب من العارف والمعرفة من المحبة فحبه لك مسكر عن حبك له وهو شراب الخمر الذي لو شربه رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء لغوت عامة الأمة وحبك له لا يسكرك عن حبه لك وهو شراب اللبن الذي شربه رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ليلة الإسراء فأصاب الله به الفطرة التي فطر الله الخلق عليها فاهتدت أمته في ذوقها وشربها وهو الحفظ الإلهي والعصمة وعلمت ما لها وما له في حال صحو وسكر فشراب حبه لك هو العلم بأن حبك إياه من حبه إياك فغيبك عن حبك إياه فأنت محب لا محب وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى وليبلي المؤمنين منه بلاء حسنا مثل هذا البلاء في فنون من المقامات يظهر فيه كما ظهر في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم في رميه التراب في وجوه الأعداء فأثبت أنه رمى ونفى أنه رمى فعبر عنه الترمذي بالسكر إذ كان السكران هو الذي لا يعقل فإن الترمذي كان مذهبه في في السكر مذهب أبي حنيفة وكان حنفي المذهب في الأصل قبل أن يعرف الشرع من الشارع وهو الصحيح في حد السكر ولكن من شئ يتقدم هذا السكران قبل سكره من شربه طرب وابتهاج وهو الذي اتخذه غير أبي حنيفة في حد السكر وهو ليس بصحيح فكل مسكر بهذه المثابة فهو الذي يترتب عليه الحكم المشروع فإن سكر من شئ لا يتقدم سكره طرب لم يترتب عليه حكم الشرع لا بحد ولا بحكم (السؤال العشرون ومائة) ما القبضة الجواب قال الله تعالى والأرض جميعا قبضته والأرواح تابعة للأجسام ليست الأجسام تابعة للأرواح فإذا قبض على الأجسام فقد قبض على الأرواح فإنها هياكلها فأخبر أن الكل في قبضته وكل جسم أرض لروحه وما ثم إلا جسم وروح غير أن الأجسام على قسمين عنصرية ونورية وهي أيضا طبيعية فربط الله وجود الأرواح بوجود الأجسام وبقاء الأجسام ببقاء الأرواح وقبض عليها ليستخرج ما فيها ليعود بذلك عليها فإنه منها يغذيها ومنها يخرج ما فيها منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ألم نخلقكم من ماء مهين وهي دخان فسواهن سبع سماوات فهي من العناصر فهي أجسام عنصريات وإن كانت فوق الأركان بالمكان فالأركان فوقهن بالمكانة والله يقبض ويبسط فيقبض منها ما يبسطها بها فلا يعطيها شيئا من ذاته فإنها لا تقبله فلا وجود لها إلا بها فالممكنات إنما أقامها الحق من إمكانها فقيامها منها بها والحق واسطة في ذلك مؤلف راتق فاتق كانتا رتقا لأنه كذا أوجدها بإمكانها ففتقناهما بإمكانهما لو لم يكن الفتق ممكنا لما قام بهما فما أثر في الممكنات إلا الممكنات لكن العمي غلب على أكثر الخلق الذين يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون ألا ترى ما هو محال لنفسه هل يقبل شيئا مما يقبله الممكن فبنفسه تمكن منه الواجب الوجود بالإيجاد فأوجده وهذه هي الإعانة الذاتية ألا ترى الحجر إذا رميت به علوا فيقال إن حركته نحو العلو قهرية لأن طبيعته النزول إما إلى الأعظم وإما إلى المركز فلو لا أن طبيعته تقبل الصعود علوا بالقهر لما صعد فما صعد إلا بطبعه أيضا مع سبب آخر عارض ساعده الطبع بالقبول لما أراد منه فالقبضة على الحقيقة قوله والله بكل شئ محيط ومن أحاط بك فقد قبض عليك لأنه ليس لك منفذ مع وجود الإحاطة وإلا فليست إحاطة وما هو محيط وصورة ذلك أنه ما من موجود سوى الله من الممكنات إلا وهو مرتبط بنسبة إلهية وحقيقة ربانية تسمى أسماء حسني فكل ممكن في قبضة حقيقة إلهية فالكل في القبضة واعلم أن القبضة تحتوي على المقبوض بأربعة عشر فصلا وخمسة أصول عن هذه الأربعة عشر فصلا ظهر نصف دائرة الفلك وهي أربع عشرة منزلة وفي الغيب مثلها وهذه الفصول تحوي جميع الحروف إلا حرف الجيم فإنها تبرأت منه دون سائر الحروف وما علمنا لما ذا وما أدري هل هو مما يجوز أن يعلم أم لا فإن الله تعالى ما نفث في روعنا شيئا ولا رأيته لغيرنا ولا ورد في النبوات فرحم الله عبدا وقف عليه فألحقه في هذا الموضع من كتابي هذا وينسب ذلك إليه لا إلي فتحصل الفائدة بطريق الصدق حتى لا يتخيل الناظر فيه أن ذلك مما وقع لي بعد هذا فإن فتح علي به حينئذ أذكره أنه لي فإن الصدق في هذا الطريق أصل قاطع لا بد منه ولا حظ له في الكذب وهذه الخمسة الأصول متفاضلة في الدرجات فأعلاها وأعمها هو العلم وهو الأصل الوسط وعن يمينه أصلان الحياة والقدرة وعن يساره أصلان الإرادة والقول وكل
(١١٥)