وقال وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى فالصوفي من قام في نفسه وفي خلقه قيام الحق في كتابه وفي كتبه فما أصابك من حسنة فمن الله وما أصابك من سيئة فمن نفسك فقد رميت بك على الطريق وليس التصوف بشئ زائد عند القوم سوى ما ذكرته لك وبينته ولكن الله أنزل الميزان والعلم بالمواطن وبالأحوال فلا تخرج شيئا عن مقتضى ما تطلبه الحكمة وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين فالتخلق به والوقوف عنده يزيل المرض النفسي لا بد من ذلك ولكن للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا لأنهم يعدلون به عن موطنه ويحرفون الكلم عن مواضعه فيعممون الخاص ويخصصون العام فسموا ظالمين قاسطين والحكماء هم المقسطون ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا وما وصفه الله بالكثرة فإن القلة لا تدخله وسبب وصفه بالكثرة لأن الحكمة سارية في الموجودات لأن الموجودات وضع الله ثم خلق الإنسان وحمله الأمانة بأن جعل له النظر في الموجودات والتصرف فيها بالأمانة ليؤدي إلى كل ذي حق حقه كما إن الله أعطى كل شئ خلقه فجعل الإنسان خليفة في الأرض دون غيره من المخلوقين فهو أمين على خلق الله فلا يعدل بهم عن سنة الله فالموجودات بيد الإنسان أمانة عرضت عليه فحملها فإن أداها فهو الصوفي وإن لم يؤدها فهو الظلوم الجهول والحكمة تناقض الجهل والظلم فالتخلق بأخلاق الله هو التصوف وقد بين العلماء التخلق بأسماء الله الحسنى وبينوا مواضعها وكيف تنسب إلى الخلق ولا تحصى كثرة وأحسن ما تصرف فيه مع الله خاصة فمن تفطن وصرفها مع الله أحاط علما بتصريفها مع الموجودات فذلك المعصوم الذي لا يخطئ أبدا والمحفوظ من أن يتحرك أو يسكن سدى جعلنا الله من الصوفية القائمين بحقوق الله والمؤثرين جناب الله (الباب الخامس والستون ومائة في معرفة مقام التحقيق والمحققين) الحق في حق الطبيعة * كالآل تبصره بقيعة فتظنه ماء فتاب * لعين مائك أن تضيعه انظر وحقق ما رأيت * فربما كانت خديعة صور التجلي هكذا * الحق فيها كالوديعة وأتت بها نكرا وإقرارا * نصوص في الشريعة لا تلتفت للقاع وانظر * في منازلك الرفيعة تجد المعمى ينجلي * من خلف أستار بديعة في غير شكل لا ولا * صور تؤلفها الطبيعة فإذا رأيت الحق فارجع * والتزم سد الذريعة وأنطق بما نطق الحديث * به من ألفاظ شنيعة وإذا عزيزة نازعتك * فقل لها كوني مطيعه كوني الكتومة لا تكوني * بين صحبك بالمذيعة وإذا دعيت بمثل ذا * كوني المجيبة والسميعة جمل صنيعك في القبول * فقد تجازى بالصنيعة اعلم أيدك الله أن التحقيق هو المقام الذي لا يقبل الشبه القادحة فيه وصاحب هذا النعت هو المحقق فالتحقيق معرفة ما يجب لكل شئ من الحق الذي تطلبه ذاته فيوفيه ذلك علما فإن اتفق أن يعامله به حالا فهو الذي ظهر عليه سلطان التحقيق وإن لم يظهر عليه فهو عالم بأنه أخطأ ولا يقدح ذلك الخطاء في تحقيقه لأنه بصير بنفسه وبما أخطأ فيه لأنه أخطأ عن تعمل وهنا سر إلهي وهو أن الله هو الحكيم المطلق وهو الواضع للأمور في مواضعها وهو الذي أعطى كل شئ خلقه فليس في الكون خطأ بنسبة الترتيب لله وقد علم رب هذا التحقيق والمحقق به إن الأمر هكذا هو وقد علم أنه أخطأ ولكن بالنسبة إلى ما أمر به لا بالنسبة إلى ما هو الأمر عليه من حيث إن الله هو الواضع له في ذلك المحل المسمى هذا
(٢٦٧)