(الباب الثالث والعشرون ومائتان في معرفة حال التفرقة) إذا اجتمعت فقد أثبت تفرقة * كما تحققت قرآنا وفرقانا والعين واحدة والحكم مختلف * وقد أقمت على ما قلت برهانا فالجمع والفرق حال ناقص أبدا * فاعدل وكن واحدا إن كنت إنسانا وألزم طريقة جبريل وصاحبه * إذ قررا لك إسلاما وإيمانا وتم جاء بما قد صح بعدهما * فقررا لك إحسانا وإحسانا فتلك أربعة لا خامس لها * سوى المؤيد جل الحق سبحانا اعلم أن التفرقة عند بعض القوم إشارة من أشار إلى خلق بلا حق وعند أبي علي الدقاق الفرق ما ينسب إليك وعند بعضهم الفرق ما أشهدك الحق من أفعالك أدبا وعند بعضهم الفرق مشاهدة العبودية وقيل الفرق إثبات الخلق وقيل التفرقة شهود الأغيار لله وقيل التفرقة مشاهدة تنوع الخلق في أحوالهم ومستند مقام التفرقة من العلم الإلهي نعت الحق سنفرغ لكم أيه الثقلان وهو انقضاء المدة التي سبق في علم الله مقدارها وهو زمان الحياة الدنيا في كل شخص شخص واعلم أن أصل الأشياء كلها التفرقة وأول ما ظهرت في الأسماء الإلهية فتفرقت أحكامها بتفرق معانيها حتى لو نظر الإنسان فيها من حيث دلالتها كلها على العين مع الفرقان المعلوم بين معانيها التي يعقل فيها من أنه سميت هذه العين بكذا لكذا ولا سيما إذا كانت الأسماء تجري مجرى النعوت على طريق المدح والتفرقة أظهر وبالتفرقة تعرف إلينا سبحانه فقال ليس كمثله شئ وقال أفمن يخلق كمن لا يخلق ففرق بين من يخلق ومن لا يخلق وحدود الأشياء أظهرته التفرقة بين الأشياء وبالتفرقة ظهرت المقامات والأحوال وكثرت مراتب الخلق وتميزت بها فلله ثمانون عبدا حققهم بحقائق الايمان ولله مائة عبد حققهم بحقائق النسب الإلهية والأسماء ولله ستة آلاف عبد ويزيدون حققهم بحقائق النبوة المحمدية ولله ثلاثمائة عبد حققهم بحقائق الأخلاق الإلهية ففرق عز وجل بين عباده بالمراتب وعين الجمع هو عين التفرقة إذ هو دليل على الكثرة وإنما سمي جمعا من أجل العين الواحدة التي تجمع هذه التفرقة فقول من قال في التفرقة إنها إشارة من أشار إلى خلق بلا حق فمشهوده ما أعطته الحدود والحدود لم يكن لها ظهور إلا في الخلق إذ كان الحق لا يعرف لأنه الغني عن العالمين أي هو المنزه عن إن تدل عليه علامة فهو المعروف بغير حد المجهول بالحد والحدود أظهرت التفرقة بين الخلق وكل إنسان من أهل الذوق لا يتعدى في أخباره منزلة شهوده وذوقه لأنهم أهل صدق لا يخبرون أبدا إلا عن شهود لا عن خبر وأما قول الدقاق الفرق ما نسبت إليك فهو ما ذكرناه فإنه ما نسب إليك إلا الحدود إذ الحق لا ينسب إليه حد وجميع ما ينسب إلى العبد فما له إلى الفناء والعدم وما ينسب إلى الحق فما له إلى البقاء والوجود فكن ممن ينسب إلى الحق ولا ينسب إلى الخلق وهو معنى قوله تعالى ما عندكم ينفد فوصف بالنفاد ما نسبه إلينا وما لفظة تدل على كل شئ كذا قاله سيبويه وما عند الله باق فمن كان عند الله منا صح له البقاء ومن كان عند الخلق صح له النفاد ألا ترى من هو عبد لغير الله من المماليك إذا جاء الموت ارتفع الملك إذا كان للسيد عليه فنفد فكل ما نسب إلى المخلوق فإنه ينفد بالموت أو بالشهادة وكل ما ينفد فقد فارق من كان عنده وهذا لا يوجد في الحق فإنه لا يفارقه شئ لأنه معنا وإليه تصير الأمور فهذا معنى قوله الفرق ما ينسب إليك وأما قول من قال الفرق ما أشهدك الحق من أفعالك أدبا يشير إلى الأفعال التي لا يعطي الأدب أن تنسب إلى الله وإن كانت من الله لا إلى الأفعال التي تنسب إلى الله أدبا وحقيقة وأفعال العباد لا بقاء لها عند العبد سوى زمان وجودها خاصة وتزول عنه في الزمان الذي يلي زمان وجودها فهذا معنى قول الدقاق فاجتمعا في المعنى غير أن هذا القائل خصص بعض الأفعال بقوله أدبا فإذا نسبت أعيان هذه الأفعال إلى الله اتصفت بالبقاء لا لأعيانها بل لكونها مشهودة لله وما عند الله باق كما يبقى الفعل عندك ما دام مشهودا لك فإذا لم تشهده زال عينه عن شهودك ولهذا قال ما أشهدك الحق من أفعالك ولم يتعرض لما يشهدك كما أنه لم يتعرض إلى المحمود من أفعالك مع كونه ينسب إليك فقال أدبا وأما قول من قال الفرق مشاهدة العبودية فإنه نسب العبد إلى الصفة القائمة به ولا ينبغي
(٥١٨)