علوا معارج من عقل ومن همم * لحضرة دخلوا فيها وما خرجوا جاءوا بأمر عظيم القدر منه وما * عليهم في الذي جاءوا به حرج الشريعة السنة الظاهرة التي جاءت بها الرسل عن أمر الله والسنن التي ابتدعت على طريق القربة إلى الله كقوله تعالى ورهبانية ابتدعوها وقول الرسول صلى الله عليه وسلم من سن سنة حسنة فأجاز لنا ابتداع ما هو حسن وجعل فيه الأجر لمن ابتدعه ولمن عمل به وأخبر أن العابد لله بما يعطيه نظره إذا لم يكن على شرع من الله معين أنه يحشر أمة وحده بغير إمام يتبعه فجعله خيرا وألحقه بالأخيار كما قال في إبراهيم إن إبراهيم كان أمة قانتا لله وذلك قبل إن يوحى إليه وقال عليه السلام بعثت لأتمم مكارم الأخلاق فمن كان على مكارم الأخلاق فهو على شرع من ربه وإن لم يعلم ذلك وسماه النبي صلى الله عليه وسلم خيرا في حديث حكيم بن حزام وإنه كان يتبرر في الجاهلية بأمور من عتق وصدقة وصلة رحم وكرم وأمثال ذلك فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله عن ذلك أسلمت على ما أسلفت من خير فسماه خيرا وجازاه الله به فالشريعة إن لم تفهم هكذا وإلا فما فهمت الشريعة وأما تتمة مكارم الأخلاق فهي تعريتها مما نسب إليها من السفسفة فإن سفساف الأخلاق أمر عرضي ومكارم الأخلاق أمر ذاتي لأن السفساف ليس له مستند إلهي فهو نسبة عرضية مبناها الأغراض النفسية ومكارم الأخلاق لها مستند إلهي وهو الأخلاق الإلهية فتتمة النبي صلى الله عليه وسلم مكارم الأخلاق ظهر في تبيينه مصارفها فعين لها مصارف تكون بها مكارم أخلاق وتعرى بذلك عن ملابس سفساف الأخلاق فما في الكون إلا شريعة ثم اعلم أن الشريعة أتت بلسان ما تواطأت عليه الأمة التي شرع الله لها ما شرع فمنه ما كان عن طلب من الأمة ومنه ما شرعه ابتداء من الأحكام ولهذا كان يقول صلى الله عليه وسلم اتركوني ما تركتكم فإن كثيرا من الشريعة نزل بسؤال من الأمة لو لم يسألوه ما نزل وأسباب الأحكام دنيا وآخرة معلومة عند العلماء بأسباب النزول والحكم يقال شرعت الرمح قبله أي قصدته به مستقبلا والشريعة من جملة الحقائق فهي حقيقة لكن تسمى شريعة وهي حق كلها والحاكم بها حاكم بحق مثاب عند الله لأنه حكم بما كلف إن يحكم به وإن كان المحكوم له على باطل والمحكوم عليه على حق فهل هو عند الله كما هو في الحكم أو كما هو في نفس الأمر فمنا من يرى أنه عند الله كما هو في الحكم ومنا من يرى أنه عند الله كما هو في نفس الأمر وفي هذه المسألة نظر يحتاج إلى سبر أدلة فإن العقوبة قد أوقعها الله في رمى المحصنات وإن صدقوا إذا لم يأتوا بأربعة شهداء وقال في قضية خاصة في ذلك كان الرامي كاذبا فيها فقال لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء كما قرر في الحكم فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون فقوله أولئك هل يريد بهذه الإشارة هذه القضية الخاصة أو يريد عموم الحكم في ذلك فجلد الرامي إنما كان لرميه ولكونه ما جاء بأربعة شهداء وقد يكون الشهداء شهداء زور في نفس الأمر وتحصل العقوبة بشهادتهم في المرمي فيقتل وله الأجر التام في الأخرى مع ثبوت الحكم عليه في الدنيا وعلى شهود الزور والمفتري العقوبة في الأخرى وإن حكم الحق في الدنيا بقوله وشهادة شهود الزور فيه ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنا بشر وإنكم لتختصمون إلي ولعل أحدكم يكون ألحن بحجته من الآخر فمن قضيت له بحق أخيه فلا يأخذه فإنما أقطع له قطعة من النار فقد قضى له بما هو حق لأخيه وجعله له حقا مع كونه معاقبا عليه في الآخرة كما يعاقب على الغيبة والنميمة مع كونهما حقا فما كان حق في الشرع تقترون به السعادة ولما كان الشريعة عبارة عن الحكم في المشروع له والتحكم فيه بها كان المشروع له عبدا فالتزم عبوديته لكون الحكم لا يتركه يرفع رأسه بنفسه فما له من حركة ولا سكون إلا وللشرع في ذلك حكم عليه بما يراه فلذلك جعلت الطائفة الشريعة التزام العبودية فإن العبد محكوم عليه أبدا وأما قولهم بنسبة الفعل إليك فإنك إن لم تفعل ما يريده السيد منك وإلا فما وجب عليك الأخذ به ولذلك رفع القلم عمن لا عقل له ويكفي هذا القدر في علم الشريعة والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب الثالث والستون ومائتان في معرفة الحقيقة) وهي سلب آثار أوصافك عنك بأوصافه أنه الفاعل بك فيك منك لا أنت ما من دابة إلا هو آخذ بناصيتها
(٥٦٢)