كان من العلم بالله الذي لا تعلق له بالكون كالعلم بأنه غني عن العالمين وبتنزيهه عن الأوصاف وبليس كمثله شئ ومثال الاستعداد والتنزل والحبل المتصل مثل الفتيلة إذا بقي فيها النار خرج من ذلك النار شبه دخان يطلب الصعود بطبعه إلى فوق ويكون هناك سراج موقد فيضع الفتيلة الخارج منها الدخان تحت السراج وعلى سمته بحيث يتصل ذلك الدخان بسرعة فيتصل برأس الفتيلة فتتقد الفتيلة فتظهر صورة السراج المنير الذي منه نزل النور إليها وينظر هل انتقص من السراج شئ أو هل حل منه فيه شئ فلا تجد مع وجود الصورة كأنه هو فمن علم سر هذا علم معنى قوله إن الله خلق آدم على صورته وعلم إن الاستعداد إذا كان على المقابلة وصحة المناسبة وتعلقت الهمة الخاصة به أنه ينزل عليه بحسب ذلك ويكون النور الحاصل في الفتيلة في العظم الجرمي والصغر بحسب كبر جرمها وصغره وتكون إضاءته بحسب صفائها وصفاء دهنها وتكون إقامته فيها بحسب كثرة دهنها وقلته فإنه الممد لبقائه فإن فهمت ما قلناه في هذا التشبيه فقد علمت علما لا يعلمه إلا العلماء بالله وتحققت إلقاء الروح على القلب علم الغيب كيف يكون وأي قلب يقبل ذلك وما يكون عليه من الصفات وتعلم أن همة الأدنى تؤثر في الأعلى إذا تعلقت به كما وقع الجواب من الله للعبد إذا دعاه والله يقول الحق وهو يهدي السبيل (الباب التاسع والستون ومائتان في معرفة علم اليقين) وهو ما أعطاه الدليل الذي لا يقبل الدخل ولا الشبهة ومعرفة عين اليقين وهو ما أعطته المشاهدة والكشف ومعرفة حق اليقين وهو ما حصل في القلب من العلم بما أريد له ذلك الشهود) علم اليقين بعينه وبحقه * تبدو دلائله على الأكوان لولا وجود العين في ملكوته * ما قام توحيد على برهان فانظر إلى حق اليقين وعينه * في عالم الأرواح والأبدان تجد الذي عنه تكون سره * في كل ما يبدو من الأعيان اعلم أيدنا الله وإياك بروح منه أنا قد علمنا علما يقينا لا تدخله شبهة إن في العالم بيتا يسمى الكعبة ببلده يسمى مكة لا يتمكن لأحد الجهل بهذا ولا أن يدخله شبهة ولا يقدح في دليله دخل فاستقر العلم بذلك فأضيف إلى اليقين الذي هو الاستقرار إن لله بيتا يسمى الكعبة بقرية تسمى مكة تحج الناس إليه في كل سنة ويطوفون به ثم شوهد هذا البيت عند الوصول إليه بالعين المحسوسة فاستقر عند النفس بطريق العين كيفيته وهيأته وحاله فكان ذلك عين اليقين الذي كان قبل الشهود علم يقين وحصل في النفس برؤيته ما لم يكن عندها قبل رؤيته ذوقا ثم فتح الله عين بصيرته في كون ذلك البيت مضافا إلى الله مطافا به مقصودا دون غيره من البيوت المضافة إلى الله فعلم علة ذلك وسببه بإعلام الله لا بنظره واجتهاده فكان علمه بذلك حقا يقينا مقررا عنده لا يتزلزل فما كل حق له قرار ولا كل علم ولا كل عين فلذلك صحت الإضافة فلو كان علم اليقين وعينه وحقه نفس اليقين ما صحت الإضافة لأن الشئ الواحد لا يضاف إلى نفسه لأن الإضافة لا تكون إلا بين مضاف ومضاف إليه فتطلب الكثرة حتى يصح وجودها ومن لم يفرق بين اليقين والعلم ويقول إن العلم هو اليقين وقد ورد في كتاب الله مضافا احتاج إلى طلب وجه في ذلك تصح له به الإضافة ليؤمن بما جاء من عند الله فقال قد يكون المعنى واحدا ويدل عليه لفظان مختلفان فيضاف أحد اللفظين إلى الآخر فإنهما غير إن بلا شك في الصورة مع أحدية المعنى ولفظة العلم ما هي لفظة اليقين فأضيف العلم إلى اليقين لهذا التغاير فصحت الإضافة في الألفاظ لا في المعنى وإنما احتال من احتال هذه الحيلة لقصور فهمه عما تدل عليه الألفاظ في الموضوعات من المعاني فلو علم ذلك لعلم أن مدلول لفظة العلم غير مدلول لفظة اليقين وإذا تقرر هذا فقد علمت معنى علم اليقين وعينه وحقه ثم بعد هذا فاعلم إن اليقين في هذه المسألة هو المطلوب ولهذا أضيفت هذه الثلاثة إليه وكان مدارها عليه فمن ثبت له القرار عند الله في الله بالله مع الله فلا بد له من علامة على ذلك تضاف إلى اليقين لأنها مخصوصة به ولا تكون علامة إلا عليه فذلك هو علم اليقين ولا بد من شهود تلك العلامة وتعلقها باليقين واختصاصها به فذلك هو عين اليقين ولا بد من وجوب حكمة في هذه العين وفي هذا العلم فلا يتصرف العلم إلا فيما
(٥٧٠)