وتوحي إليهم قوله سنلقي في قلوب الذين كفروا الرعب هم الملائكة الذين يدخلون البيت المعمور الذي في السماء السابعة المخلوقين من قطرات ماء نهر الحياة في انتفاض الروح الأمين من انغماسه ولهذا قرن الملائكة بالمجاهدين في التثبيت مع الماء المنزل لنثبت به الاقدام فقد أبان الله في هذه عن مرتبة الماء من مراتب الملائكة ليعقلها العالمون من عباد الله وما يعقلها إلا العالمون فجعل الله من الماء كل شئ حي وهذا الركن هو الذي يعطي الصور في العالم كله وحياته في حركاته ثم إن هذا الركن جعله الله مالحا لما فيه من مصالح العالم فإنه بما فيه من الملوحة يصفي الجو من الوخم والعفونات التي تطرأ فيه من أبخرة الأرض وأنفاس العالم وذلك أن الأرض بطبعها ما تعطي التعفين لأنها باردة يابسة فيحصل فيها من الماء رطوبات عرضية تكثر فإذا كثرت وسخنتها أشعة الكواكب مثل الشمس وغيرها بمرور هذه الأشعة على الأثير ثم بما في جو الأرض من حركات الهواء المنضغط فإن الحركة سبب موجب لظهور الحرارة ويظهر ذلك في الحمامات في الأرض الكبريتية فإذا تضاعفت كمية الحرارة على هذه الرطوبات صعدت بها علوا بخارا فمن هنالك يطرأ التعفين في الجو فيذهب ذلك التعفين ما في البحر من الملوحة فيصفو الجو وذلك من رحمة الله بخلقه فلا يشعر بذلك إلا العلماء من عباد الله ثم إن الله جعل للبقاع في الماء حكما وأصل ذلك الحكم من الماء هذا هو العجب فجعل من الأرض سباخا تعطي ماء مالحا إذا عظم ذلك منها وتعطي فعاما ومرا وزعاقا كما تعطي أيضا عذبا فراتا كل ذلك بجعل الله تعالى وأصل هذا كله مما أعطى الماء الأرض من الرطوبات وأعطاها الهواء والحركات من الحرارة وتختلف أمزجة الأرض فمن الماء عذب فرات لمصالح العباد فيما يستعملونه من الشرب وغير ذلك ومنه ملح أجاج لمصالح العباد فيما يذهب به من عفونات الهواء فما من ركن إلا وقد جعله الله مؤثرا ومؤثرا فيه أصل ذلك في العلم الإلهي وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداعي إذا دعاني وكل مؤثر فيه من العالم فمن الإجابة الإلهية وأما اسم الفاعل من ذلك فهو معلوم عند كل أحد فما نبهنا إلا على ما يمكن أن يغفل عنه أكثر الناس كما قال في أشياء ولكن أكثر الناس لا يعلمون ثم إن الله عز وجل ما جعل التكوينات التي هي دواب البحر في البحر الملح إلا في العذب منه خاصة فلو لا وجود الهواء فيه والماء العذب ما تكون فيه حيوان ألا ترى البخار الصاعد من الأنهار والبحار ولا سيما في زمان البرد ذلك هو النفس يصعد من الأرض ومن البحر كما يخرج النفس من المتنفس يطلب ركنه الأعظم فيستحيل ماء ويلحق بعنصره منه على قدر ما سبق في علم الله من ذلك فهو دولاب دائر منه يخرج وإليه يرجع بعضه أصله في العلم الإلهي إن الله كان ولا شئ وأوجد الأشياء وأظهر فيها الدعاوي بما جعل فيها من استحالات بعضها إلى بعض وبما أعطاها من القوي التي تفعل بها وقال بعد هذا كله وإليه يرجع الأمر كله فجعل صعود البخار من الماء وهو ماء استحال هواء يسمى بخارا ليقع الفرق بين الهواء الأصلي وبين الهواء المستحيل ثم يصير غما ما متراكما ثم ينزل ماء كما كان أول مرة فعاد إلى أصله الذي خرج منه ثم يعود الدور فلهذا شبهناه بالدولاب وقلنا إنه يرجع وذلك بتقدير العزيز العليم انتهى الجزء الثالث والعشرون ومائة (بسم الله الرحمن الرحيم) (الفصل الحادي والثلاثون) في الاسم إلهي المميت وتوجهه على إيجاد ما يظهر في الأرض وله حرف الصاد المهملة ومن المنازل البلدة قال تعالى خلق الأرض في يومين وقال وقدر فيها أقواتها وهي أول مخلوق من الأركان ثم الماء ثم الهواء ثم النار ثم السماوات وأخبر تعالى عنها بأمور تقضي أنها تعقل فوصفها بالقول والإباية وقال لها وقالت له ونعتها بالطاعة والأخذ بالأحوط ليدل بذلك على علمها وعقلها وجعلها محلا لتكوين المعادن والنبات والحيوان والإنسان وجعلها حضرة الخلافة والتدبير فهي موضع نظر الحق وسخر في حقها جميع الأركان والأفلاك والأملاك وأنبت فيها من كل زوج بهيج من كل ذكر وأنثى وما جمع لمخلوق بين يديه سبحانه إلا لما خلق منها وهي طينة آدم عليه السلام خمرها بيديه وهو ليس كمثله شئ وأقامها مقام العبودية فقال الذي جعل لكم الأرض ذلولا وجعل لها مرتبة النفس الكلية التي ظهر عنها العالم كذلك ظهر عن هذه الأرض من العالم المولدات إلى مقعر فلك المنازل وهذا الركن لا يستحيل إلى
(٤٥٣)