فما ظنك بمنزلة أمم الأنبياء منا والله ما يعرفون على أي طريق سلكت هذه الأمة في فرارها فإن الله مجهول الأينية والفرار كان إليه فلا يدري أحد يفر إليه إذا تلقاه وأخذ بيده إلى أين يسير به فإن الله أسرع إلى من فر إليه في تلقيه من الفار إليه فإنه يقول وهو الصادق تعالى ومن أتاني يسعى أتيته هرولة فوصف نفسه بالإقبال على عبده إذا أتاه بأضعاف مما يأتيه به من الحال وإتيان الفار أشد من الهرولة فيكون إتيان الحق إليه أشد من ذلك فتحقق هذا في العلم الإلهي تر العجب فيما أعطى الله هذه الأمة بعناية محمد صلى الله عليه وسلم فاعلم إن مقامك من الفرار لا يتعين فنتكلم عليه فإن حكمه في الفار بحسب ما فر منه وهي أمور كثيرة لا تنضبط جزئياتها وإن انحصرت أمهاتها أو ما فر إليه وهي أسماء كثيرة إلهية أو أحكام بحسب ما يراه الفار إليه ولكن الذي أمر الله به أن نفر إلى الله والفرار إلى الله لا يصح من حيث المجموع فإنا منه نفر إليه فإن فيه ما نفر منه ومن وإلى لا يجتمعان فإن أحكامهما مختلفة فإن قلت فقوله وأعوذ بك منك قلنا فيه وجهان الواحد أن قوله وأعوذ بك ما هو حكم الباء هنا حكم إلي فإنه يستعيذ بالله في حال فراره وما بلغ إلى حكم إلى ونحن إنما نتكلم في لفظة إلى من حيث ما تدل عليه وهذا التعويذ النبوي إنما وقع بالباء فلا وجه لقولك هذا بالاستعاذة والوجه الآخر أنه وإن جعلتها مطلوب إلى عين المستعاذ به في نهاية الفرار فمعلوم أنه لو كان عين من تفر منه عين من يفر إليه من غير اختلاف نسبة لم يصح فرار فلا بد من اختلاف النسبة فالنسبة التي جعلتك تفر منه عين النسبة التي فررت إليه من أجلها والعين واحدة مثل قوله يوم نحشر المتقين إلى الرحمن فالعين التي تحشر منها هي العين التي تحشر إليها وبعينها ما وصفت به فانظر أي اسم يكون مشهود المتقي فما تجده الرحمن وإن كان معه في حال اتقائه ولكن تحشر إليه لينفرد بك دون أن تكون لاسم آخر تصرف فيك وقوله إني لكم منه نذير مبين تعلم ما هو الاسم الذي من أجله كان الإنذار المبين من المنذر لك وقوله منه يعود على الله هو الذي وجهه إليك ليأمرك بالفرار إلى الله وإنما جاء بالاسم الجامع إذ كان في عرف الطبع الاستناد إلى الكثرة يقول النبي صلى الله عليه وسلم يد الله مع الجماعة فالنفس يحصل لها الأمان باستنادها إلى الكثرة والله مجموع أسماء الخير إذا حققت معرفة الأسماء الإلهية وجدت أسماء الأخذ قليلة وأسماء الرحمة كثيرة في الاسم الله فلذلك أمرك بالفرار إلى الله فاعلم ذلك وما من اسم إلهي إلا ويريد أن يربطك به ويقيدك وتكون له لظهور سلطانه فيك وأنت قد علمت إن سعادتك في المزيد والمزيد لا يكون لك إلا بالانتقال إلى حكم اسم آخر لتستفيد علما لم يكن عندك والذي أنت عنده لا يتركك فتعين الفرار ويكون الإنذار أن لا يحكم عليك الاسم الذي أنت عنده بالبقاء معه ففررت إلى موطن الزيادة فالفرار حكم يستصحب العبد في الدنيا والآخرة ودرجات العارفين من أهل الأنس والوصال منه خمسمائة واثنتا عشرة درجة ودرجات العارفين من أهل الأدب والوقوف مثلهم ودرجات الملامية من أهل الأنس والوصال أربعمائة وإحدى وثمانون درجة ودرجات الملامية من أهل الأدب والوقوف مثلهم (الباب الثالث والثمانون في ترك الفرار) أين الفرار وما في الكون إلا هو * وهل يجوز عليه هل هو أو ما هو إن قلت هل فشهود العين ينكره * أو قلت ما هو فما هو ليس إلا هو فلا تفر ولا تركن إلى طلب * فكل شئ تراه ذلك الله أعلم أيدك الله أن قوله تعالى فتربصوا عقيب ما تعدد من الأعيان إذن وأمر بالتربص إن كان الله مشهودا لكم في كل ما ذكرناه فإن ذلك الشهود هو المطلوب بهذا الفرار لأن الله أمرنا بالفرار إلى الله وقوله أحب إليكم من الله أي من أجل الله أي شهودكم الله في هذه الأعيان أحب إليكم من شهودكم إياه في أعيان غيرها للمناسبة القريبة التي بينكم وبين هذه الأشياء المذكورة وإن كان الكامل منا يشهده في كل عين ولكن بعض الأعيان قد يكون لبعض الأشخاص أحب من أعيان أخر وقوله ورسوله مثل قوله من الله أي ومن أجل رسوله حيث أمركم ببر هؤلاء وجعل لهم حقوقا عليكم فحقوق الآباء والأبناء والإخوان والأزواج والعشائر معلومة منصوص عليها لا تخفى على من وقف على العلم المشروع وكذلك حقوق الأموال نعم المال الصالح للرجل الصالح وحقوق التجارة معلومة فإن صدق التجارة
(١٥٦)