نسبة الربوبية والسيادة إليه فإن قلت فالفناء راجع إلى العبودة ولازم قلنا لا يصح أن يكون كالعبودة فإن العبودة نعت ثابت لا يرتفع عن الكون والفناء قد يفنيه عن عبودته وعن نفسه فحكمه يخالف حكم العبودة وكل أمر يخرج الشئ عن أصله ويحجبه عن حقيقته فليس بذلك الشرف عند الطائفة فإنه أعطاك الأمر على خلاف ما هو به فألحقك بالجاهلين والبقاء حال العبد الثابت الذي لا يزول فإنه من المحال عدم عينه الثابتة كما أنه من المحال اتصاف عينه بأنه عين الوجود بل الوجود نعته بعد أن لم تكن وإنما قلنا هذا لأن الحق هو الوجود ولا يلزم أن تكون الصفة عين الموصوف بل هو محال والعبد باقي العين في ثبوته ثابت الوجود في عبودته دائم الحكم في ذلك إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا ما عندكم ينفد وما عند الله باق فنحن عنده وهو عندنا فالحق النفاد والبقاء بمن ألحقته هذه الآية والنفاد فناء والبقاء نعت الوجود من حيث جوهره والفناء نعت العرض من حيث ذاته بل نعت سائر المقولات ما عدا الجوهر وقد أومأنا إلى ما فيه غنية لمن كان له له قلب أو ألقى السمع لخطاب الحق وهو شهيد (الباب الثاني والعشرون ومائتان في معرفة الجمع وأسراره) إذا سمعت بحق أو نظرت به * فهو السميع البصير الواحد الأحد وأنت لا فيه والأعيان قائمة * والنفس والعقل والأرواح والجسد فإن أخذت بجمع الجمع تصحبه * به فأنت هناك السيد الصمد وإن علمت بهذا واتصفت به * حالا عليك جميع الأمر ينعقد اعلم أن الجمع عند بعض الطائفة إشارة من أشار إلى حق بلا خلق وقال أبو علي الدقاق الجمع ما سلب عنك وقالت طائفة منهم الجمع ما أشهدك الحق من فعله بك حقيقة وقال قوم الجمع مشاهدة المعرفة وحجته إياك نستعين وقال بعضهم الجمع إثبات الخلق قائما بالحق وجمع الجمع الفناء عن مشاهدة كل شئ سوى الحق وقال بعضهم الجمع شهود الأغيار بالله وجمع الجمع الاستهلاك بالكلية وفناء الإحساس بما سوى الله عند غلبات الحقيقة وقال بعضهم الجمع مشاهدة تصريف الحق الكل ومن نظم القوم في الجمع والفرق جمعت وفرقت عني به * ففرط التواصل مثنى العدد فهذا قد ذكرنا بعض ما وصل إلينا من قولهم في الجمع وجمع الجمع والجمع عندنا أن تجمع ما له عليه مما وصفت به نفسك من نعوته وأسمائه وتجمع مالك عليك مما وصف الحق به نفسه من نعوتك وأسمائك فتكون أنت أنت وهو هو وجمع الجمع أن تجمع ما له عليه وما لك عليه وترجع الكل إليه وإليه يرجع الأمر كله ألا إلى الله تصير الأمور فما في الكون إلا أسماؤه ونعوته غير أن الخلق ادعوا بعض تلك الأسماء والنعوت ومشي الحق دعواهم في ذلك فخاطبهم بحسب ما ادعوه فمنهم من ادعى في الأسماء المخصوصة به تعالى في العرف ومنهم من ادعى في ذلك وفي النعوت الواردة في الشرع مما لا يليق عند علماء الرسوم إلا بالمحدثات وأما طريقنا فما ادعينا في شئ من ذلك كله بل جمعناها عليه غير أنا نبهنا أن تلك الأسماء حكم آثار استعداد أعيان الممكنات فيه وهو سر خفي لا يعرفه إلا من عرف إن الله هو عين الوجود وأن أعيان الممكنات على حالها ما تغير عليها وصف في عينها ويكفي العاقل السليم العقل قولهم الجمع فإنه لفظ مؤذن بالكثرة والتمييز بين الأعيان الكثيرة فمن حيث التمييز كان الجمع عين التفرقة وليست التفرقة عين الجمع إلا تفرقة أشخاص الأمثال فإنه جمع وتفرقة معا وإن الحد والحقيقة بجمع الأمثال كالإنسانية وأشخاص ذلك النوع يتصفون بالتفرقة فزيد ليس بعمرو وإن كان كل واحد منهما إنسانا وهكذا جميع الأمثال وأشخاص النوع الواحد قال تعالى ليس كمثله شئ على وجوه كثيرة قد علم الله ما يؤول إليه قول كل متأول في هذه الآية وأعلاها قولا أي ليس في الوجود شئ يماثل الحق أو هو مثل للحق إذ الوجود ليس غير عين الحق فما في الوجود شئ سواه يكون مثلا له أو خلافا هذا ما لا يتصور فإن قلت فهذه الكثرة المشهودة قلنا هي نسب أحكام استعدادات الممكنات في عين الوجود الحق والنسب ليست أعيانا ولا أشياء وإنما هي أمور عدمية بالنظر إلى حقائق النسب فإذا لم يكن في الوجود شئ سواه فليس مثله شئ لأنه ليس ثم فافهم
(٥١٦)