اليبوسة والمطر من رطوبته وما يزيده الماء من رطوبته فإنه يزيد في كميتها ويتكون في هذا الهواء في الجبال التي ذكر الله أمرها في قوله وينزل من السماء من جبال فيها من برد وقد بيناها فيما قبل من هذا الكتاب تغلب الرطوبة في الهواء بما يزيده في رطوبته الماء وتعطيه النار من الحرارة ما يزيد في كمية حرارة الهواء فيحدث في الجو في هذه الجبال تعفين لأن هذه الأركان مركبة من الأربع الحقائق الطبيعية كل ركن منها وهذا سبب قبولها صور الكائنات فيها ولو لم يكن كذلك ما قبلت المولدات فإذا تعفن ما تعفن من ذلك كون الله في ذلك التعفين حيوانات هوائية جوية على صور حيات بيض وحيوانات للاستدارة أما هذه المستديرة فرأيناها وأما الحيات البيض فرأينا من رآها وقد وقفنا على ذكرها في بعض كتب الأنواء وإن البزاة البلنسية إذا علت في الجو في أوقات ووقعت بشئ منها نزلت بها على مرأى من أصحابها وممن رآها والدي وقد نزل بها البازي من الجو في أيام السلطان محمد بن سعد صاحب شرق الأندلس وهذا الصنف المستدير الذي عايناه من ذلك التكوين يسمى بالأندلس بالشلمندار وأكثر ما ينزل في الكوانين مع المطر وفيه خواص إذا لعق باللسان لكن خرجت عني معرفة تلك الخواص في هذا الوقت وهو مجرب عندنا ومما يحدث في هذا الركن مما يلي ركن النار منه الصواعق وهي هواء محترق والبروق وهو هواء مشتعل تحدثه الحركة الشديدة والرعود وهو هبوب الهواء تصدع أسفل السحاب إذا تراكم وهو تسبيح إذ كل صوت في العالم تسبيح لله تعالى حتى الصوت بالكلمة القبيحة هي قبيحة وهي تسبيحة بوجه يعلمه أهل الله في أذواقهم لمن عقل عن الله وهذا الملك المسمى بالرعد هو مخلوق من الهواء كما خلقنا نحن من الماء وذلك الصوت المسمى عندنا بالرعد تسبيح ذلك الملك وفي ذلك الوقت يوجده الله فعينه نفس صوته ويذهب كما يذهب البرق وذوات الأذناب فهذه حوادث هذا الركن في العالم العنصري وله حرف الزاي وهو من حروف الصفير فهو مناسب له لأن الصفير هواء بشدة وضيق وله الشولة وهي حارة فافهم (الفصل الثلاثون) في الاسم الإلهي المحيي وتوجهه على إيجاد ما يظهر في ركن الماء وله حرف السين المهملة من الحروف وله من المنازل المقدرة منزلة النعائم قال تعالى وجعلنا من الماء كل شئ حي وقال تعالى وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به ويذهب عنكم رجز الشيطان وليربط على قلوبكم ويثبت به الاقدام فأعاد الضمير من به الاقدام على المطر والرجس بالسين القذر عند القراء وهو هنا القذر المعنوي لأنه مضاف إلى الشيطان فلا يدل إلا على ما يلقيه من الشبه والجهالات والأمور التشكيكية ليقذر بها محل هذا القلب فيذهب الله ذلك بما في الماء المنزل من الحياة العلمية بالبراهين والكشف فإذا زال ذلك القذر الشبهي بهذا الماء المنزل من عند الله زال الوسخ الجهلي وارتفع الغطاء عن القلب فنظر بعينه في ملكوت السماوات والأرض فربط ذاته بما أعطاه العلم فعلم ما أريد به في كل نفس ووقت فعامله بما أعطاه العلم المنزل الذي ظهره به في ذلك الماء الذي جعل نزوله في الظاهر علامة على فعله في الباطن فكان من مواطنه مقابلة الأعداء فأداه ما عاينه وربط قلبه به إن ثبتت قدمه يوم الزحف عند لقاء الأعداء فما ولوا مدبرين وأنزل الله نصره وهو تثبيت الاقدام فهذا ما أعطاه الله في الماء من القوة الإلهية حيث أنزله منزلة الملائكة بل أتم من الملائكة وإنما قلنا بل أتم فإن الله جعل الماء سبب تثبيت أقدام المجاهدين المؤمنين فقال ويثبت به الاقدام فأنزله منزلة المعين على ما يريد وقال في الملائكة إذ يوحي ربك إلى الملائكة انى معكم لما علم من ضعفهم أعلمهم أن الله معهم من حيث أنيته ليتقوى جأشهم فيما يلقونه في قلوب المؤمنين المجاهدين أن يثبتوا ويصابروا العدو ولا ينهزموا وهذه من لمات الملائكة فقال لهم فثبتوا الذين آمنوا أي اجعلوا في قلوبهم إن يثبتوا ثم أعانهم فقال سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب أخبرهم بذلك ليلقوا في نفوس المجاهدين هذا الكلام فإنه من الوحي فيجد المجاهد في نفسه ذلك الإلقاء وهو وحي الملك في لمته فانظر كم بين مرتبة الماء ومرتبة هؤلاء الملائكة والماء وإن كان من الملائكة فهو ملك عنصري وأصله في العنصر من نهر الحياة الطبيعية الذي فوق الأركان وهو الذي ينغمس فيه جبريل كل يوم غمسة وينغمس فيه أهل النار إذا خرجوا منها بالشفاعة فهذا الماء العنصري من ذلك الماء الذي هو نهر الحياة وهذه الملائكة التي تقوى قلوب المجاهدين وتثبتهم
(٤٥٢)