والسر في ذلك واضح، فإن ما هو فعل الآمر والصادر عنه في مقام التشريع ليس إلا تصور عدة أمور تكون موافقة لغرضه وقيام المصلحة بها، وبعد ذلك يجمعها في قالب الطلب وينشئها على طبق ما تصوره، فعند ذلك ينتزع من القيود الوجودية الجزئية والشرطية على اختلاف بينهما في كيفية الاعتبار من جعل الشئ داخلا في الماهية بحيث يتألف منه ومن غيره المركب فيكون جزء، ومن جعله خارجا عنها على نحو التقيد داخل والقيد خارج فيكون شرطا، وينتزع من القيود العدمية المانعية، وإلا فنفس الشرطية والمانعية والجزئية ليس لها ما بحذاء في وعاء، وليس لها ثبوت وتحقق لا في عالم التكوين ولا في عالم الاعتبار والتشريع.
بل تكون الشرطية وأخواتها أسوأ حالا من وجوب والمقدمة اللازم من وجوب ذيها، فإن وجوب المقدمة أمر ثابت في عالم الاعتبار ومتصور في عالم التشريع وتتعلق بها إرادة آمرية، غاية الأمر إرادة تبعية تترشح من إرادة ذيها وخطابها لازم خطاب ذيها، وهذا بخلاف الشرطية وما شابهها فإنها أمور انتزاعية صرفة غير متأصلة في عالم الاعتبار، وغير متعلقة لإرادة أصلا ولو بإرادة تبعية، وليس لها نحو ثبوت وتحقق لا في عالم التصور السابق على الجعل ولا في عالم الجعل والانشاء، لما عرفت من أن الثابت في عالم التصور ليس إلا لحاظ أمور متعددة متباينة يجمعها قيام المصلحة بها وموافقتها للغرض، ثم بعد ذلك. يجعلها في معرض الانشاء وقالب الطلب.
ففي عالم التصور لم يتصور إلا ذات الشرط والجزء من حيث دخله في الغرض ونفس المانع من حيث منعه عنه، لا شرطية الشرط وجزئية الجزء ومانعية المانع، فإنها لم يقع التصور عليها ولم تدخل في عالم اللحاظ، بل المتصور والملحوظ هو