ذوات هذه الأشياء، وعند ذلك تنتزع الشرطية والجزئية والمانعية عن المتصور، ففي عالم التصور ليس لهذه الأشياء ما بحذاء ولم يكن لها تحقق، فإذا لم يكن لها في عالم التصور نحو ثبوت وتحقق ففي عالم الجعل والانشاء تكون أيضا كذلك، بداهة أن الجعل والانشاء إنما يكون على طبق المتصور، ولا يعقل أن يتحقق في عالم الجعل شئ ليس له تحقق في عالم التصور، ففي عالم الجعل أيضا ليس للشرطية وأخواتها نحو ثبوت وتحقق فلا يتعلق بها جعل، بل لو فرض أن بعد الجعل ألف مرة قال: جعلت هذا الشئ جزء للمجعول أو شرطا له فهو غير قابل لأن يصير جزء أو شرطا له إلا بالنسخ وتغيير المجعول عما جعل، وذلك واضح إلى النهاية فلا حاجة إلى إطالة الكلام فيه.
ثم إنه قد عرفت أن منشأ انتزاع الشرطية غير منشأ انتزاع المانعية، فإن منشأ انتزاع الشرطية إنما هو تعلق الطلب بالخصوصية الوجودية التي لها دخل في تحقق الملاك، وهذا بخلاف منشأ انتزاع المانعية فإنه ليس هو إلا عبارة عن اعتبار عدمه في المتعلق من جهة مضادة وجوده لتحقق الملاك.
إذا عرفت ذلك فيقع الكلام حينئذ في إمكان الجمع في الجعل بين ما هو منشأ انتزاع شرطية أحد الضدين ومانعية الآخر، بحيث يكون وجود أحد الضدين شرطا والآخر مانعا، فنقول:
الظاهر عدم إمكان ذلك، وأنه من المستحيل أن يكون لوجود أحد الضدين دخل في الملاك والمصلحة مع مانعية الضد الآخر عن تحقق الملاك، وكذلك من المستحيل أيضا جعل أحد الضدين شرطا والآخر مانعا، وكذلك من المستحيل أيضا ثبوت أثر وتحقق فائدة في الجمع بين شرطية أحدهما ومانعية الآخر، فالجمع بينهما من المستحيل في جميع هذه العوالم الثلاثة من عالم الملاك والجعل والأثر.
وتفصيل ذلك هو أنه لا إشكال في تقدم رتبة الشرط على وجود المانع كتقدم