كفرا، وأما ما ذكره من العجب، فليس من
جهله يعجب! ويدفعه أنه لما ادعى المصنف نصوصية تلك الآيات على مطلوبه فعلى تقدير تسليم أن الرازي ذكر لها تأويلات كان تعرض المصنف لذكرها لغوا مستدركا وكفى في ضعف ارتكاب التأويل ما قيل: إن يوم التأويل ليل أليل، سيما تأويل النصوص المعتضدة بدليل العقل، وبالجملة تلك التأويلات صرف للآيات تصريف الأفعال في غير ما أنزلت فيه وإحالة لكلام الله، وتحريف للكلم عن مواضعها وجعلها تابعة لهوى المذهب، وإخراج للقرآن المبين عن أن يكون دليلا للمحققين
وحجة على المبطلين وفتح لباب تأويلات الباطنية الملحدين، وما ندري، كيف يستجير من يعلم أن وعد الله حق مثل هذا في
القرآن وفي دين الله المبين!؟، وأما ما ذكره من المثل، ففيه من الخبط ما يليق أن يضرب به المثل، وذلك لأن المصنف لما ادعى أن تلك الآيات كانت على مذهبه نصوصا، فكانت على صدور
الخصم نصولا ولها إليهم إصابة ووصولا، فكيف يصدق أنه كان قبل ذلك لها في يد
الخصم حصولا، وأنهم جعلوا غيرهم بها مقتولا، على أنا لو فرضنا أن الرازي أو غيره من أهل السنة كابروا على نصوص تلك الآيات واستدلوا بها على مذهبهم قبل استدلال أهل العدل بها، فمثل المصنف في ذلك حينئذ مثل قوم من الأقوياء الرماة لخصمهم من بعيد قد قابلهم من الحمق الشديد جماعة كان قسيهم من الضعف في النزع (1)، وسهامهم خالية معن الأثر واللذع (2)، فقصرت سهامهم عن الوصول إلى الصدور والأصلاب، ووقعت قدام هؤلاء الأقوياء على التراب فالتقط من الأقوياء من كان له من الرماية سهم وافر تلك السهام القاصرة ورماها على رماتها تلك
الجماعة الحمقى الخاسرة، حتى
قتل بتلك السهام أحبارهم والبقية
____________________
(1) يقال: هذا في النزع أي قلع الحياة، يقال: نزع في القوس أي مدها، والمراد هنا المعنى الأول على وجه الاستعارة.
(2) لذع الحب قلبه كمنع: آلمه.