الطهارة، فلا مجري فيه دليل وجوب الاجتناب عن النجاسة الواقعية بعد حكم الشارع بأنه طاهر غير نجس، وإنما وجب الاجتناب عن نفس المشتبهين لعدم جريان أصالة الطهارة في شئ منهما، لأن الأصلين مع العلم الاجمالي في هذا المقام متساقطان.
وتوهم أن الموجب لسقوط أصالة الطهارة في المشتبه الملاقي (بالفتح) وهي معارضتها بأصالة طهارة المشتبه الآخر موجود بعينه في الثالث الملاقي (بالكسر) فيسقط أصالة طهارته أيضا فيجب الاجتناب عنه مقدمة للواجب الواقعي، مدفوع بأن الشك في طهارة الثالث ونجاسته مسبب عن الشك في طهارة المشتبه الملاقي أو صاحبه، وقد تقرر في تعارض الأصول: أن الأصل الجاري في الشك السبي كالدليل بالنسبة إلى الأصل الجاري في الشك المسبب (1) سواء كان معارضا له أم معاضدا؟ فأصالة الطهارة في كل من المشتبهين كدليلين بالنسبة إلى أصالة طهارة الثالث، فإذا تساقطا وجب الرجوع إلى ذلك الأصل. وهذه قاعدة مطردة في كل أصلين تعارضا وتساقطا، فإنه يرجع إلى الأصل في آثارهما، سواء كان الأصل جاريا لم أثر أحدهما، كما إذا وقع رطوبة مشتبهة بين الماء والبول على الثوب، فإنه يحكم بطهارة الثوب، أم كان جاريا في آثار كليهما، كما إذا وقع ثوب بعد متنجس في كر مردد بين الماء المطلق والمضاف والبول، فإنه يرجع بعد تعارض أصالتي عدم وقوعه في المطلق وفي المضاف بأصالة بقاء طهارة المائع ونجاسة الثوب.
وبالجملة، فالأصل الجاري في الشك المسبب عن شك جرى فيه