بالاجتناب لغير المعلوم نجاسته تفصيلا، وإما لمنع وجوب الموافقة القطعية للتكاليف الواقعية وجعل المسلم هي حرمة القطع بالمخالفة، وإما لحكم الشارع في الظاهر بالطهارة والحل في كل مشكوك النجاسة والحرمة، غاية الأمر عدم جواز ارتكاب المشتبهين للزوم العلم بالمخالفة، ولا مانع من ارتكاب أحدهما للرخصة المستفادة من أدلة أصالتي الحل والطهارة، فهو نظير ما إذا رخص الشارع للمتحير في ترك الصلاة إلى بعض الجهات، فيكون ترك المشتبه الآخر في المقام كفعل الصلاة إلى بعض الجهات امتثالا ظاهريا للتكليف بالواقع.
والكل مدفوع بما بين في الأصول مستقصى.
وحاصل دفع الأول: ظهور الخطابات في وجوب الاجتناب عن النجس الواقعي وإلا لزم ارتفاع النجاسة في الشبهة المحصورة.
وحاصل دفع الثاني: استقلال العقل بوجوب تحصيل اليقين بالموافقة وعدم قناعته باحتمال الموافقة مع فرض ثبوت تكليف يقضي بالاجتناب عن النجس الواقعي.
وحاصل دفع الثالث: عدم جريان أدلة طهارة ما لا يعلم نجاسته وحلية ما لم يعلم حرمته، لأن جريانه في كلا المشتبهين يوجب المخالفة القطعية، وفي أحدها المعين دون الآخر ترجيح بلا مرجح، وفي أحدهما المخير غير مستفاد من تلك الأدلة، لأن أحدها المخير فيه غير داخل تحت العام، مع أن أحدهما المعين واقعا خارج، لكونه معلوم الحرمة، فإذا وجب الاجتناب عنه بحكم هذه الأخبار وجب الاجتناب عما يحتمله بحكم العقل، فهذه العمومات بضميمة حكم العقل دالة على المطلوب، فتأمل.
هذا كله بملاحظة القاعدة الجارية في كل شبهة محصورة بين المشتبهين،