حكم العقل الثابت قبل الانصباب. ولا معنى لارتفاعه بتعذر الامتناع عن المنصب، فهو مسقط للتكليف بالامتناع.
وربما يتمسك هنا باستصحاب وجوب الاجتناب. وفيه: أن الحكم بوجوب الاجتناب عقلي من باب المقدمة العلمية وهو باقي يقينا.
نعم، لو كان الاشتباه في الإنائين بعد انصباب أحدهما على وجه لا يثبت التكليف بالاجتناب عن المنصب على تقدير العلم التفصيلي بكونه هو النجس - كما لو انصب في البالوعة وغيرها مما لا يؤثر انصبابه فيه شيئا لنجاسته، أو لاستهلاكه للمنصب كالماء الكثير المستهلك له، أو جففته الشمس بعد الانصباب بحيث صار محله طاهرا - لم يجب الاجتناب عن الباقي، لعدم العلم بالتكليف الفعلي بالاجتناب عن النجس الواقعي المردد بين المشتبهين، لاحتمال كون النجس هو المنصب فأصالة الطهارة في الآخر سليمة.
ومثل عدم ثبوت التكليف بالاجتناب عن أحد المشتبهين على تقدير العلم التفصيلي بحرمته أو نجاسته عدم تنجز التكليف به عرفا على ذلك التقدير لعدم ابتلاء المكلف به وقبح التكليف به في العرف إلا مشروطا بابتلائه به، كما لو قطع بوقوع النجاسة إما في الماء الموضوع عنده أو في الثوب الشخص العابر من عنده الذي لا ابتلاء له فعلا بثيابه، بحيث لو فرض صدور التكليف منجزا بالاجتناب عن ثيابه كان لغوا عرفا، بل لا يحسن التكليف المذكور إلا مشروطا بابتلائه بها واتفاق وقوعها في يده، فإن التكليف بالاجتناب عن النجس الواقعي المردد بين هذا الماء وذلك الثوب غير منجز، لاحتمال كون النجس هو ذلك الثوب.
ومثله ما لو عبر الشخص في أرض يعلم بوقوع النجاسة في ثوبه أو في تلك الأرض التي لا حاجة قريبة له إلى استعمالها فيما يشترط طهارته.