ليس هاهنا مقام بيانه، ولا اختصاص له بصلاة الجمعة، ويرجع ذلك إلى بعض أدلة الموجبين عينا، وقد عرفت حالها.
وإن أردت من ذلك أن الإيجاب هاهنا من البديهيات، ولا تأمل في وجوب صلاة الجمعة عند أحد، فالأخبار الواردة في هذا الباب وغيرها ليس فائدتها بيان الوجوب، بل فائدتها أنها يجب الإتيان بها دائما، وأنها مأذون فيها، جائز فعلها على الإطلاق، بدون اشتراط بشئ آخر، فتكون الفائدة حينئذ هو حصول الإذن في الفعل، رفعا لتوهم الاشتراط بتعيين شخص خاص بالخصوص أو بالعموم، فيكون هذا نازلا منزلة النيابة المخصوصة فيها، الواردة لعامة المكلفين، مع ثبوت باقي الشرائط من دليل خارج.
فلم لا تقول ذلك في جانب الفرائض الخمس التي بداهتها أجلى من ذلك، ولم يعهد ذلك الكلام هاهنا أصلا، وما وجه هذا الاصطلاح هاهنا دون هناك.
فإن قلت: مرادنا من الأخبار الذي ذكرنا هو مثل رواية زرارة وعبد الملك الآتيتين المشتملتين على حث الراويين على ذلك. لا مطلق ما دل على الوجوب، كما يظهر من كلام العلامة في النهاية (1)، ونحن نقول أيضا: إن الوجوب والإيجاب والمشروعية غير الإذن المتنازع فيه، وإن الإذن المتنازع هو الإذن الخاص بعد معلومية الوجوب، كما حصل في تلك الروايتين للراويين.
قلت: هذا، مع أنه تخصيص لكلام المطلقين لذلك، لا يتم المطلوب، إذ من المعلوم أن الاجماع واقع على الوجوب عينا عند حضور الإمام وإذنه الخاص، كما عرفت سابقا.
فإن كان الحث المذكور هو الإذن المذكور فيجب عينا، ولا يقول به المخيرون، إذ هم يستدلون بمثلها على الاستحباب، وسيجئ، مع أنه لا يتم دلالتها على الإيجاب أيضا، لما سيجئ.