الحريم فيها، لأن الأملاك متعارضة، وكل واحد من الملاك مسلط على ماله له التصرف كيف شاء، فله أن يحفر بئرا في ملكه وإن كان لجاره بئر قريب منها وإن نقص ماء الأولى، ولكن فعل مكروها ولو حفر في ملكه بئر بالوعة وفسد بئر الجار لم يمنع منه، ولا ضمان عليه، ومثله ما لو أعد داره المحفوف بالمساكن حماما أو خانا أو طاحونة أو حانوت حداد وقصار، لأن له التصرف في ملكه كيف شاء، صرح بجميع ذلك في المسالك (1) والدروس (2) والسرائر (3) ونسبه في الكفاية إلى الأصحاب كافة (4) مؤذنا بدعوى الإجماع عليه، ونحوه الحلي حيث نفى الخلاف فيه (5).
ولكن قال في الكفاية: ويشكل هذا الحكم في صورة تضرر الجار تضررا فاحشا، نظرا إلى تضمن الأخبار المذكورة نفي الضرر والإضرار، وهو الحديث المعمول به بين الخاصة والعامة المستفيضة بينهم، خصوصا ما تضمن الأخبار المذكورة من نفي الإضرار الواقع في ملك المضار (6).
وفيه نظر، فإن حديث نفي الضرر المستفيض معارض بمثله من الحديث الدال على ثبوت السلطنة على الإطلاق لرب الأموال، وهو أيضا معمول به بين الفريقين، والتعارض بينهما تعارض العموم والخصوص من وجه، والترجيح للثاني بالأصل، وعمل الأصحاب كما اعترف به، ولا سيما إذا استلزم منع المالك عن التصرف ضررا عليه أشد من ضرر الجار أو مساويا أو أقل، بحيث لم يتفاحش معه ضرره.
وينبغي القطع في هذه الصور بما عليه الأصحاب. وأما فيما عداها فالظاهر ذلك أيضا، لما ذكر وإن كان الأحوط عدم الإضرار على الإطلاق.