ولعل لتلك النكتة، أمر الحق تعالى موسى وهارون بقوله: * (فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى) * (1) لأنه تعالى كان عالما بأنه لا ينبعث من الأمر والنهي.
وغير خفي: أن هذا الشرط شرط حدوثا وبقاء، فلو توجه بعد الأمر إلى أنه لا يعتني بأمره وبعثه، فإنه لا تبقى الإرادة التشريعية في نفسه، وتسقط طبعا.
ولأجل ذلك ذكرنا: أن سقوط الأمر كما يكون بالإطاعة والعصيان، يكون بالإخلال بشرط إبقاء تلك الإرادة أيضا، وذلك بالبناء القلبي الواقعي على عدم الاعتناء بأمره (2)، فما اشتهر: من أن سقوط الأمر إما بالعصيان، أو الإطاعة (3)، في غير محله.
بل لنا أن نقول: إن الأمر ليس إلا آلة البعث والتحريك الاعتباري، وبه يستكشف عرفا - على مذهب العدلية - المصالح الكامنة والمقاصد العالية في متعلقه، وأما الانبعاث الخارجي والتحرك نحو المأمور به، فهو معلول الأسباب الاخر والمقتضيات الكثيرة، من كيفية الإدراك، إلى كيفية اتصاف العبد بالملكات والحالات، وإلى حدود الالتزامات بتبعات الأحكام، وكيفية الاعتقادات بالنسبة إليها.
فإذا قال المولى: " أزل النجاسة عن المسجد " فيعلم من ذلك وجود الغرض الإلزامي الذي لا يرضى بتركه حسب الأفهام العرفية، وإذا امتثل العبد يعد مطيعا، وأما بعد صدور الأمر فلا معنى لبقائه، بل الباقي الذي هو اللازم مراعاته، شوق المولى الإلزامي إليه، كشوقه إلى إنقاذ غريقه.
نعم، العبادة إذا كانت موقوفة في ظرف الامتثال على الأمر، فلا بد من الالتزام