شرع لان يتعبد به العبد لربه، ومعلوم: ان فعل الشئ لاظهار العبودية لا يكون الا بفعله امتثالا لامره، أو طلبا لمرضاته، أو طمعا في جنته، أو خوفا من ناره أو غير ذلك مما يحصل به قصد التقرب، على ما ذكرنا تفصيل ذلك في الفقه عند البحث عن نية الصلاة، (1) ولا يكون الشئ عبادة بدون ذلك كما لا يخفى.
ويقابلها التوصلية، وهي ما لم يكن تشريعه لأجل اظهار العبودية.
وقد يطلق التوصلية ويراد منها: عدم اعتبار المباشرة، أو عدم اعتبار الإرادة والاختيار، أو عدم اعتبار الإباحة والسقوط بفعل المحرم. ولا يخفى ان النسبة بين الاطلاقين هي العموم من وجه، إذ ربما يكون الشئ توصليا بالمعنى الأول، أي (لم يشرع لأجل اظهار العبودية) ومع ذلك يعتبر فيه الإرادة والاختيار، كوجوب رد التحية، فإنه لا يعتبر فيه قصد التعبد، ومع ذلك يعتبر فيه المباشرة، وربما ينعكس الامر ويكون الشئ توصليا بالمعنى الثاني أي لا يعتبر فيه المباشرة ويسقط بالاستنابة و فعل الغير، ومع ذلك لا يكون توصليا بالمعنى الأول بل يكون تعبديا، كقضاء صلاة الميت الواجب على الولي، فإنه يعتبر فيه التعبد مع عدم اعتبار المباشرة. وعلى كل حال البحث يقع في مقامين:
المقام الأول: في أصالة التعبدية المقابلة للتوصلية بالمعنى الأول لها.
المقام الثاني: في أصالة التعبدية المقابلة للتوصلية بالمعنى الثاني لها.
ولنقدم الكلام في المقام الثاني، ثم نعقبه بالمقام الأول.
فنقول: ان الحق فيه، هو أصالة التعبدية، بمعنى اعتبار المباشرة والإرادة و الاختيار والإباحة، فلا يسقط بفعل الغير، ولا بلا إرادة واختيار، ولا بفعل المحرم، الا ان يقوم دليل على عدم اعتبار أحد القيود الثلاثة أو جميعها، ولكن تحرير الأصل بالنسبة إلى هذه القيود الثلاثة يختلف، وليس هناك أصل واحد يقتضى القيود الثلاثة. فينبغي تحرير الأصل الجاري في اعتبار كل قيد على حدة.