مقتضى الآخر حتى يكون عدم الموجود ورفعه من مقدمات وجود الآخر؟ الا ان يقول: باستغناء الضد الموجود في بقائه عن المؤثر والمقتضى، وانما الذي يحتاج إلى المقتضى هو الحدوث واما البقاء فلا يحتاج إلى ذلك بل هو يبقى بنفسه، فلا يكون بقاء وجود الضد الموجود مجامعا لوجود مقتضيه حتى يمتنع وجود مقتضى الاخر، هذا.
ولكن مع أن هذه المقالة من أصلها فاسدة، لوضوح ان الموجب لحاجة الشئ في حدوثه إلى المؤثر ليس هو الا الامكان، وذلك بعينه يقتضى الحاجة في بقائه إلى المؤثر لبقائه على صفة الامكان، والا يلزم تعطيل الباري تعالى، وما مثل به من الحجر واللون حيث إن بقائه لا يحتاج إلى مؤثر فليس كذلك بل يحتاج أيضا إلى ذلك، غايته انه في بعض المقامات تكون العلة المحدثة هي المبقية، مثلا في مثل الحجر يكون الميل إلى المركز موجبا لبقائه في المكان، وفى مثل اللون يكون الموجب هو ما أودعه الله تعالى في طبعه من أنه لا يزول الا برافع، وبالجملة: كون المحدثة هي المبقية غير كون البقاء لا يحتاج إلى مؤثر، كما لا يخفى.
ثم إن ذلك على تقدير تسلميه فهو في الأمور التكوينية الخارجة عن الإرادة، واما في الأمور الإرادية فلا يمكن ذلك، لان الفعل الإرادي لابد ان يكون حدوثه و بقائه بالإرادة، فبقاء الصلاة انما تكون ببقاء ارادتها، ومع ذلك كيف يجامع إرادة ضدها من الإزالة، وهل هو الا اجتماع المقتضيين؟ فلو كان وجود الإزالة متوقفا على عدم الصلاة ورفعها يلزم ما فر منه: من اجتماع المقتضيين.
فالانصاف: انه لا فرق في الاستحالة بين كون المحل، مشغولا بأحد الضدين أو كونه خاليا عنها، وانه ليس في البين توقف ومقدمية أصلا، ومجرد تمانع الضدين في الوجود لا يقتضى المقدمية، بل هو مجرد التعاند في الوجود حسب ذاتهما، ولكن العلة المحدثة لأحدهما هي الطاردة للآخر، وليس التعاند بين الضدين أقوى من التعاند بين النقيضين، بل تعاند النقيضيين أقوى وأشد وأتم، ومع ذلك ليس بين النقيضين ترتب وتوقف ومقدمية، والا يلزم توقف الشئ على نفسه، فكذلك ليس بين الضدين ترتب وتوقف لاستلزام توقف الشئ على نفسه أيضا كالنقيضين. وكما أن العلة للوجود هي الطاردة للعدم في النقيضيين، فكذلك العلة