مضافا إلى أن البرهان المنطقي يقتضى أيضا عدم ايجاب الجمع، فان الامر الترتبي المبحوث عنه في المقام إذا أبرزناه بصورة القضية الحملية يكون من المنفصلة المانعة الجمع لا مانعة الخلو. وذلك لان الضابط في كون القضية مانعة الجمع، هو كون الحكم فيها بتنافي النسبتين بحيث يمتنع اجتماعهما، كقولك: ان فاض ماء الشط فاما ان يغرق الزرع واما ان يسيل الماء إلى الأودية، حيث يمتنع اجتماع كل من غرق الزرع وسيلان الماء إلى الأودية، فان سيلان الماء إلى الأودية يوجب عدم غرق الزرع، لنقصان ماء الشط بتوجه مائه إلى الأودية، فلا يصل الماء إلى الزرع ليغرقه، فغرق الزرع ينافي سيلان الماء إلى الأودية، ولا يمكن اجتماعهما، بل غرق الزرع مترتب على عدم السيلان ولا غرق مع السيلان.
وحينئذ نقول في المقام: ان امر الأهم له نسبتان، كما تقدم منا في أول مبحث الأوامر من أن هيئة افعل تتضمن نسبتين: نسبة المادة إلى الآمر بالنسبة الطلبية، ونسبتها إلى الفاعل بالنسبة التلبسية. والتنافي في الامر الترتبي انما يكون بين النسبة الطلبية في جانب المهم والنسبة الفاعلية في جانب الأهم، لا النسبة الطلبية في جانبه فان المفروض انحفاظ طلب الأهم عند طلب المهم. فلا تنافى بين النسبتين الطلبيتين، كما في باب الوضوء والتيمم، حيث إن التنافي هناك بين النسبة الطلبية للتيمم والنسبة الطلبية للوضوء، وكان طلب التيمم مترتبا على عدم طلب الوضوء. وهذا بخلاف المقام، فان التنافي فيه انما يكون بين النسبة الطلبية من جانب المهم والنسبة الفاعلية من جانب الأهم. فصورة القضية الحملية تكون هكذا: اما ان يكون الشخص فاعلا للأهم، واما ان يجب عليه المهم، فهناك تناف بين وجوب المهم وفعل الأهم، ومع هذا التنافي كيف يعقل ايجاب الجمع؟ مع أن ايجاب الجمع يقتضى عدم التنافي بين كون الشخص فاعلا للأهم وبين وجوب المهم عليه. بل لا بد ان يكون كذلك فضلا عن عدم التنافي.
فتحصل من جميع ما ذكرنا:
ان الامر الترتبي لا يعقل اقتضائه لايجاب الجمع، حتى يقال باستحالته وانه تكليف بالمحال لعدم القدرة على الجمع بين الضدين، وذلك لوجوه ثلاثة: