العلم الاجمالي لا ينحل بالعثور على المقدار المتيقن، بل لا بد فيه من الفحص التام في جميع ما بأيدينا من الكتب. فتأمل فيما ذكرناه من قسمي العلم الاجمالي فإنه لا يخلو عن دقة.
هذا حاصل الاشكال والجواب في جعل المدرك لوجوب الفحص العلم الاجمالي.
واما لو جعل المدرك لوجوب الفحص كون دأب المتكلم وديدنه التعويل على المنفصلات، فقد يستشكل أيضا بما حاصله: ان الفحص لا اثر له حينئذ، إذ الفحص عن المقيدات والمخصصات فيما بأيدينا من الكتب لا يغير العمومات و المطلقات عن كونها في معرض التخصيص وعن كون دأب المتكلم التعويل على المنفصلات، إذ الفحص لا دخل له في ذلك ولا يوجب قوة أصالة الظهور والعموم التي ضعفت وسقطت بدأب المتكلم وخروجه عن طريق المحاورات العرفية من بيان تمام مراده في كلام واحد، إذ كل عام يحتمل ان يكون قد عول فيه على المخصص المنفصل ولم يكن ذلك المخصص في الكتب التي بأيدينا ولا دافع لهذا الاحتمال، هذا.
ولكن يمكن الذب عن الاشكال أيضا، بان كون شأن المتكلم ذلك يوجب عدم الاطمينان والوثوق بان واقع مراده هو ظاهر العام والمط، فلو تعلق غرض باستخراج واقع مراد المتكلم لما أمكن بالنسبة إلى المتكلم الذي يكون شانه ذلك، كما يتضح ذلك بالقياس على المحاورات العرفية فإنه لو فرض ان أحد التجار كتب إلى طرفه يخبره بسعر الأجناس في بلد وكان الكاتب ممن يعتمد على القرائن في بيان مراده، فان هذا الكتاب لو وقع بيد ثالث لا يمكنه العمل على ما تضمنه، لأنه لا يمكن الحكم بان واقع مراد الكاتب هو ما تضمنه ظاهر الكتاب، مع أن هذا الثالث ليس له غرض سوى استخراج واقع مراد الكاتب.
وأما إذا لم يتعلق الغرض باستخراج واقع مراد المتكلم، بل كان الغرض هو الالزام والالتزام بكلام المتكلم وجعله حجة قاطعة للعذر في مقام المحاجة و المخاصمة، فلا بد من الاخذ بما هو ظاهر كلامه، وكون شأن المتكلم التعويل على