الفاعلية التي هي واقعة في رتبة الصدور والوجود، إذ الفاعل ما كان يوجد عنه الفعل على اختلاف الافعال الصادرة عنه، فنسبة الفعل إلى الفاعل هي أول النسب، ومن ذلك تحصل الافعال الثلاثة من الماضي والمضارع والامر، على ما هي عليها من الاختلاف، الا ان الجميع يشترك في كون النسبة فيه نسبة التحقق و الصدور، وإيجاد المبدء، فهذه أول نسبة تحدث بين العرض والموضوع، ثم بعد ذلك تحدث نسبة المشتق، لان المشتق انما يتولد من قيام العرض بالموضوع والاتحاد في الوجود الموجب للحمل، فيقال: زيد ضارب، ومن المعلوم: ان هذا الاتحاد لمكان صدور الضرب عنه، فالنسبة الأولية الحادثة هي النسبة الفاعلية، وفى الرتبة الثانية تحدث نسبة المشتق، ثم بعد ذلك تصل النوبة إلى نسبة الملابسات من المفاعيل الخمسة، من حيث إن وقوع الفعل من الفاعل لابد وأن يكون في زمان خاص، و مكان مخصوص، في حالة خاصة، فالنسبة الحاصلة بين الفعل وملابساته انما هي بعد نسبة الفعل إلى الفاعل وقيامه به واتحاده معه المصحح للحمل، فهذه النسب الثلاث هي التي تتكفلها هيئات تراكيب الكلام، من قولك: ضرب زيد عمرا، و زيد ضارب، وغير ذلك.
ثم إن هناك أدوات اخر تفيد النسبة، إذ لا يختص ما يفيد النسبة بهيئات التراكيب، بل الحروف أيضا تفيد النسبة ك (من) و (إلى) و (على) و (في) وغير ذلك من الحروف الجارة، فإنه (من) مثلا تفيد نسبة السير الصادر من السائر إلى المكان المسير عنه، و (إلى) تفيد النسبة إلى المكان الذي يسير إليه، فيقال: سرت من البصرة إلى الكوفة، فلولا كلمة (من) و (إلى) لما كاد يكون هناك نسبة بين السير و البصرة والكوفة. وكذا الكلام في كلمة (في) حيث إنها تفيد النسبة بين الظرف و المظروف، فيقال: زيد في الدار، وضرب زيد في الدار، غايته انها تارة: تفيد نسبة قيام العرض بالموضوع، فيكون الظرف مستقرا، وأخرى: تفيد نسبة ملابسات الفعل، فيكون الظرف لغوا، فمثل زيد في الدار يكون من الظرف المستقر، إذ معنى قولك: زيد في الدار، هو ان زيدا موجود في الدار وكائن فيها، وهذا معنى قول النحاة في تعريف الظرف المستقر بأنه ما قدر فيه: كائن، ومستقر، وحاصل، وما شابه