فنقول: لهم في ذلك طرق:
منها: دعوى وضعها لغة للوجوب وهذه الدعوى بظاهرها لا تستقيم، لما عرفت: ان الصيغة لها مادة وهيئة، والمادة موضوعة لمعناها الحدثي، ومفاد الهيئة معنى حرفي، لكونها موضوعة لنسبة المادة إلى الفاعل بالنسبة الايقاعية. فلا معنى لدعوى وضعها للوجوب. اللهم الا ان توجه بان المراد وضعها لايقاع النسبة إذا كان بداعي الطلب الوجوبي، بان يؤخذ - بداعي الطلب الوجوبي - قيدا في وضع الهيئة.
واما دعوى: أكثرية استعمالها في الاستحباب فيلزم أكثرية المجاز على الحقيقة، فهذا مما ليس فيه محذور إذا كان ذلك بقرينة تدل على ذلك انما الشأن في اثبات هذه الدعوى أي دعوى الوضع لذلك بل هي فاسدة من أصلها.
وتوضيح الفساد يتوقف على بيان حقيقة الوجوب والاستحباب وبيان المايز بينهما.
فنقول: ربما قيل بان الوجوب عبارة عن الاذن في الفعل مع المنع من الترك والاستحباب عبارة عن الاذن في الفعل مع الرخصة في الترك، فيكون مفاد كل من الوجوب والاستحباب مركبا من أمرين. ولما كان التفسير بذلك واضح الفساد، لوضوح بساطة مفهوم الوجوب والاستحباب، عدل عن ذلك المتأخرون، و جعلوا المايز بينهما بالشدة والضعف، وقالوا: ان الوجوب والاستحباب حقيقة واحدة مقولة بالتشكيك، فالوجوب عبارة عن الطلب الشديد، والاستحباب عبارة عن الطلب الضعيف هذا.
ولكن الانصاف: ان هذه الدعوى كسابقتها واضحة الفساد، لان الطلب لا يقبل الشدة والضعف، لوضوح ان طلب ما كان في غاية المحبوبية وما لم يكن كذلك على نهج واحد، وهذا ليس من الأمور التي يرجع فيها إلى اللغة، بل العرف ببابك، فهل ترى من نفسك اختلاف تصدى نفسك وحملتها نحو ما كان في منتهى درجة المصلحة وقوة الملاك، كتصدي نفسك نحو شرب الماء الذي به نجاتك، أو نحو ما كان في أول درجة المصلحة، كتصدي نفسك لشرب الماء لمحض التبريد، كلا لا يختلف تصدى النفس المستتبع لحركة العضلات باختلاف ذلك، بل إن بعث