فنقول: اما تحرير أصالة التعبدية، بمعنى اعتبار المباشرة وعدم سقوطه بالاستنابة وفعل الغير، فيتوقف على بيان كيفية نحو تعلق التكليف فيما ثبت جواز الاستنابة فيه وسقوطه بفعل الغير تبرعا، بعد ما كان هناك ملازمة بين جواز الاستنابة وجواز التبرع، فان كلما يدخله الاستنابة (1) يدخله التبرع كذا العكس.
وليعلم: ان التكليف لا يسقط بمجرد الاستنابة فيما ثبت جواز الاستنابة فيه، بل انما يسقط بفعل النائب، لا بنفس الاستنابة، فيقع الاشكال ح في كيفية تعلق التكليف على هذا النحو، وانه من أي سنخ من الأقسام المتصورة في التكاليف؟ من حيث الاطلاق والاشتراط والتعيينية والتخييرية وغير ذلك من الأقسام.
فنقول: اما تعلق التكليف بالنسبة إلى المادة، أي الفعل المطالب به، فيكون على وجه التعيين، بمعنى انه لا يقوم شئ مقامه، كما يقوم العتق مقام الصيام و الصيام مقام الاطعام في خصال الكفارة. واما من حيث جهة الصدور عن الفاعل فلا يعتبر فيه التعيينية، بمعنى انه لا يعتبر فيه مباشرة المأمور بنفسه، واصدار المكلف بعينه، بل للمكلف الاستنابة فيه واستيجار الغير له.
وبذلك يمتاز عن الواجب الكفائي، فان الوجوب فيه بالنسبة إلى المادة وان كان على وجه التعيين، ولا يعتبر مباشرة شخص خاص فيه، الا ان الوجوب فيه متوجه إلى عامة المكلفين، بحيث ان كل من اتى به فقد اتى بما هو واجب عليه نفسه، لا انه يأتي به نيابة عن الغير. وهذا بخلاف المقام، فان الآتي بالعمل، سواء كان على وجه الاستنابة، أو على وجه التبرع، انما يأتي به عن الغير، ويقصد تفريغ ذمة الغير، بحث لو لم يأت به على هذا الوجه لكان الواجب بعد باقيا في ذمة الغير و لا يسقط عنه، كما في القضاء عن الميت، وأداء الدين، وأمثال ذلك من الواجبات