(ب) في الوجود على (الف)، فلو فرض توقف (ب) على (الف) أيضا يلزم تقدم (الف) على (ب) المفروض تأخره عنه، ويرجع بالآخرة إلى توقف (الف) على نفسه، فلو فرض في مورد لزوم هذا المحذور بلا توسط الدور، فهو أولى بان يحكم عليه بالامتناع.
وبعد ذلك نقول في المقام: لو اخذ العلم بالحكم قيدا للموضوع في مرحلة الانشاء يلزم تقدم الشئ على نفسه، وذلك لأنه لابد من فرض وجوده بما انه مرآة لخارجه قبل وجود نفسه، إذ الانشاءات الشرعية انما تكون على نهج القضايا الحقيقية التي هي المتعبرة في العلوم، وليس من القضايا العقلية التي لا موطن لها الا العقل، ولا من أنياب الأغوال التي تكون مجرد فرض لا واقعية لها أصلا، بل الانشاءات الشرعية انما هي عبارة عن جعل الاحكام على موضوعاتها المقدرة وجوداتها، هذا الجعل انما يكون قبل وجود الموضوعات في الخارج، وعند وجودها تصير تلك الأحكام فعلية.
وحينئذ لو فرض اخذ العلم بالانشاء قيدا للموضوع في ذلك المقام، فلابد من تصور الموضوع بماله من القيود لينشأ الحكم على طبقه، والمفروض ان من قيود الموضوع العلم، بهذا الانشاء نفسه، فلابد من تصور وجود الانشاء مرآة لخارجه قبل وجود نفسه، وهذا كما ترى يلزم منه تقدم الانشاء على نفسه، وهو ضروري الامتناع.
والحاصل:
انه لو اخذ العلم بالحكم قيدا في مقام الانشاء، والمفروض انه لا حكم سوى ما أنشأ، فلابد من تصور وجود الانشاء قبل وجوده ليمكن اخذ العلم به قيدا، وليس ذلك مجرد قضية فرضية من قبيل أنياب الأغوال، حتى يقال: لا مانع من تصور وجود الشئ قبل نفسه لامكان فرض اجتماع النقيضين، بل قد عرفت: ان الأحكام الشرعية وانشاءاتها انما تكون على نهج القضايا لحقيقية القابلة الصدق على الخارجيات، وتصور وجود الشئ القابل للانطباق الخارجي قبل وجود نفسه محال هذا كله في الانقسامات اللاحقة للموضوع المترتبة على الحكم.