العموم، لان أصالة العموم انما تجرى في صورة الشك، ولا مجال لها مع العلم بالتخصيص. وبعبارة أخرى: يعلم أن الظهور المنعقد للعام ليس بمراد بالنسبة إلى بعض الأطراف المحتملة. وحيث إن ذلك البعض تردد امره بين فردين، أو افراد، ولا معين في البين، فلامحة يسقط العام عن الحجية في جميع الافراد المحتملة، وذلك أيضا واضح.
واما لو دار امر المخصص المنفصل بين الأقل والأكثر: فبالنسبة إلى الأكثر العام بعد باق على حجيته، وأصالة العموم جارية فيه، وانما سقطت حجية العام في خصوص الأقل المتيقن التخصيص، لأنه بالنسبة إلى الأكثر يكون شكا في التخصيص، والمرجع حينئذ هو أصالة العموم وعدم التخصيص بعد ما انعقد ظهور للعام. فلو قال: أكرم العلماء، ثم ورد: لا تكرم فساق العلماء، وتردد الفاسق بين ان يكون خصوص مرتكب الكبيرة، أو الأعم منه ومن مرتكب الصغيرة، فبالنسبة إلى مرتكب الكبيرة العام سقط عن الحجية، للعلم بخروجه على كل حال. واما بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة فيشك في خروجه، ومقتضى أصالة العموم عدم خروجه.
وتوهم: ان الخارج هو عنوان الفاسق لا خصوص مرتكب الكبيرة - والعام ليس كبرى كلية بالنسبة إلى عنوان الفاسق للعلم بخروج هذا العنوان عن العام، فلا مجال للتمسك بأصالة العموم بالنسبة إلى من شك في دخوله تحت عنوان الفاسق - فاسد، لان الخارج ليس مفهوم الفاسق بل واقع الفاسق، وحيث لم يعلم أن مرتكب الصغيرة مندرج في الفاسق الواقعي يشك لامحة في تخصيص العام واقعا بالنسبة إلى مرتكب الصغيرة، والمرجع حينئذ هو أصالة العموم.
تنبيه: لو ورد عام وورد خاص، ودار امر الخاص بين ان يكون مخصصا، أو غير مخصص، كما لو قال عقيب قوله أكرم العلماء: لا تكرم زيدا، وكان هناك زيد عالم وزيد جاهل، ولم يعلم أن مراده من قوله: لا تكرم زيدا أي منهما، فالمرجع في مثل هذا أيضا أصالة العموم، للشك في التخصيص، وذلك واضح. هذا كله فيما إذا كان المخصص مجملا مفهوما.