العقل يستقل بقبح صرف القدرة إلى غير المتأخر الذي فرضناه أهم وبلزوم حفظ القدرة إلى المتأخر. ومعلوم ان كل فعل وجودي يفرض كونه موجبا لعدم القدرة على المتأخر، فإنما هو من مصاديق صرف القدرة إلى غير المتأخر، ومعلوم ان قبح الشئ يسرى إلى مصاديقه، ولا مجال للامر الترتبي في مثل هذا.
فالمقام نظير ما سيأتي من عدم جريان الترتب في مسألة اجتماع الأمر والنهي ، حيث نقول في ذلك: انه لا يمكن تصحيح الصلاة بالامر الترتبي بعد تقديم جانب النهى، فلا يصح ان يقال: لا تغصب وان غصبت فصل. فان المراد من قوله (ان غصبت) ان كان خصوص الغصب الصلواتي يلزم طلب الحاصل، وان كان غير ذلك يلزم طلب الممتنع، وان كان الأعم يلزم كلا المحذورين. وليس ذلك الا لمكان ان كل فعل وجودي يفرض فإنما يكون من مصاديق الغصب، فالصلاة أيضا تكون مصداقا للغصب، لا مقارنة له، كما في الصلاة والإزالة. فالصلاة تكون منهيا عنها بنفس النهى عن الغصب. ويرجع الامر الترتبي في ذلك إلى قوله: لا تغصب الغصب الصلواتي وان فعلت ذلك فصل، وهو كما ترى يلزم طلب الحاصل. وسيأتي لذلك مزيد توضيح في محله إن شاء الله.
وعلى كل حال قد ظهر لك: ان الامر الترتبي لا يجرى في المسألة الثانية من مسائل التزاحم، وهي ما كان التزاحم فيه لقصور قدرة المكلف، لا لتضاد المتعلقين.
المسألة الثالثة:
من مسائل الترتب هي: ما إذا كان التزاحم واقعا بين المقدمة وذيها. و الأقوى جريان الترتب فيها.
وتفصيل الكلام في ذلك: هو ان المقدمة، اما ان تكون سابقة في الوجود على ذيها كالتصرف في ارض الغير لانقاذ الغريق. واما ان تكون مقارنة في الوجود لذيها كالتصرف في الماء الذي وقع الغريق فيه لانقاذه، وكترك أحد الضدين لوجود الآخر، بناء على مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الآخر فينبغي عقد الكلام في مقامين: