وحيث انجر الكلام إلى ذلك، فلا بأس بتفصيل الكلام في التزاحم و احكامه، حيث إن الاعلام أهملوا ذلك، مع أنه مما يترتب عليه فروع كثيرة، وكان حقه ان يفردوا له عنوانا مستقلا. وعلى كل حال: ان تفصيل القول في التزاحم يقع في مقامات ثلاثة:
المقام الأول في الفرق بين التزاحم والتعارض وتوضيح الفرق: هو انه يفترق باب التعارض عن باب التزاحم من جهات:
(الجهة الأولى) هي ان باب التعارض يرجع إلى تعاند المدلولين في مقام الثبوت، بحيث لا يمكن جمعهما في مرحلة الجعل والتشريع، لاستلزامه التناقض واجتماع الإرادة و الكراهة في نفس الآمر بالنسبة إلى متعلق واحد، أو لزوم التكليف بما لا يطاق لتضاد المتعلقين ذاتا مع اتحادهما في الحكم، كما إذا أوجب القيام دائما وأوجب القعود كذلك، أو لتلازم المتعلقين تلازما دائميا مع اختلافهما في الحكم، كما إذا أوجب استقبال المشرق وحرم استدبار المغرب، أو غير ذلك مما لا يمكن فيه الجمع بين الحكمين ثبوتا لتعاندهما في مقام تشريع الاحكام على موضوعاتها المقدرة وجوداتها، بحيث يلزم من الجمع: اما اجتماع الإرادة والكراهة في موضوع واحد، واما لزوم التكليف بما لا يطاق، كل ذلك في مقام الجعل والتشريع.
وهذا بخلاف باب التزاحم، فإنه لم يكن بين الحكمين المتزاحمين منافرة و تعاند في مقام الجعل والتشريع، بل كان بينهما كمال الملائمة والموافقة، وانما نشأ التعاند في مقام فعلية الحكمين وتحقق موضوعهما خارجا، كالمزاحمة بين انقاذي الغريقين، أو بين حرمة المقدمة ووجوب ذيها، أو غير ذلك من اقسام التزاحم على ما يأتي بيانه، فإنه لا محذور في تشريع انقاذ كل غريق، أو تشريع حرمة التصرف في ملك الغير ووجوب انجاء المؤمن من الهلكة، إذ لا ربط لاحد الحكمين بالآخر، بل شرع كل منهما على موضوعه المقدر وجوده من دون ان يستلزم ذلك التشريع اجتماع الإرادة والكراهة في شئ واحد، أو التكليف بما لا يطاق، بل اتفق التزاحم في مقام