عليه. ومن هنا كان التقابل بين الصحة والفساد تقابل العدم والملكة لا التضاد، على ما سيأتي بيانه.
الامر الثالث:
للصحة اطلاقان: اطلاق في مقابل العيب، واطلاق في مقابل الفساد، كما يقال: ان هذا الجوز صحيح، أي غير معيوب، وأخرى يقال: صحيح، أي غير فاسد.
والمراد من الصحة في المقام هو ما يقابل الفساد. وحيث كانت الصحة والفساد من المحمولات المترتبة على الماهيات بعد وجودها، فلا محالة لا يكون التقابل بينهما تقابل السلب والايجاب، وحيث لم يكن الفساد أمرا وجوديا فلا محالة لا يكون التقابل بينهما تقابل التضاد، وانحصر ان يكون التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، فيكون المراد من الصحيح هو ما يترتب عليه الأثر المطلوب منه، والفاسد ما لم يترتب عليه ذلك الأثر. وحينئذ لا بد ان يكون المورد قابلا لان يتصف بالصحة والفساد، فيحمل عليه الصحيح تارة، والفساد أخرى. فالبسائط لا تتصف بالصحة والفساد، بل تتصف بالوجود والعدم، إذ فساد الشئ انما هو باعتبار عدم ترتب الأثر، وذلك انما يكون باعتبار فقدانه بعض ما اعتبر فيه:
من جزء، أو شرط. وهذا انما يتصور في المركبات. واما البسائط، فهي ان كانت موجودة فلامحة تكون صحيحه، إذ ليس لها جزء أو شرط، حتى يتصور فقدانه. وان لم تكن موجودة فلا تتصف، لا بالصحة، ولا بالفساد، لما عرفت: من أن الصحة والفساد من المحمولات المترتبة على وجود الشئ.
ثم انه ليس كل مركب ذي حكم شرعي مما يتصف بالصحة والفساد، فان موضوعات التكاليف مع كونها مركبة لا تتصف بالصحة والفساد، فمثل قوله:
العاقل البالغ المستطيع يحج، مع كون الموضوع فيه مركبا من العقل والبلوغ والاستطاعة، لا يتصف بالصحة والفساد، بل بالوجود والعدم، كالبسائط. والذي يتصف بالصحة والفساد هي متعلقات التكاليف وما يلحق بها من الأسباب كالعقد المركب من الايجاب والقبول، والايقاع المشتمل على الشرائط المعتبرة فيه، حيث إن المتعلق أو العقد يمكن ان يكون صحيحا باعتبار انطباقه على ما يترتب عليه الأثر، ويمكن ان يكون فاسدا باعتبار عدم الانطباق. كما أن اجزاء المتعلق والعقد