الماضي أو اشتقاق الفعل الماضي عن المصدر، فلم يقع خلاف بينهم في اشتقاق الفعل المضارع عن الفعل الماضي بمعنى تأخر رتبته على رتبة الفعل الماضي، وذلك لما عرفت: من أن الفعل الماضي بهيئته يدل على النسبة التحققية التي هي أول نسبة يمكن ان تفرض بين العرض ومحله، وهذا بخلاف الفعل المضارع فإنه يدل على انتساب الذات إلى العرض واتصافها به كقولك: يضرب زيد، فان مفاده تكيف زيد بالضرب وتلونه واتصافه به، ومن المعلوم: ان هذا متأخر رتبة عن تحقق العرض منتسبا إلى فاعله، إذ بعد التحقق تتكيف الذات بتلك الكيفية وتوصف به.
والحاصل: انه في الفعل الماضي يلاحظ العرض منتسبا إلى فاعله بالنسبة التحققية فيقال: ضرب زيد، وفى الفعل المضارع يلاحظ الذات متصفة بالعرض فيقال: يضرب زيد، ومن المعلوم: ان رتبة اتصاف الذات بالعرض متأخرة عن رتبة تحقق العرض عن الذات، إذ بعد التحقق وصدور العرض من الذات يتصف به الذات، فمعنى المضارع انما يتولد من الفعل الماضي، فهذه هي النسبة الثانية للعرض، والنسبة الأولى هي النسبة التحققية.
ثم إن ما اشتهر: من أن المضارع يكون بمعنى الحال والاستقبال أيضا من الاشتباهات، فان الظاهر من اطلاق الفعل المضارع من قولك: يضرب أو يقول و غير ذلك هو التلبس الحالي، وصرفه إلى الاستقبال يحتاج إلى قرينة من ادخال السين وسوف، والا فظهوره الأولى هو التلبس بالحال، كما هو الظاهر من قوله تعالى: و يقول الذين كفروا الخ، فان الظاهر منه هو ان حال نزول الآية كان ما تكفلته الآية مقولا لقول الكفار، لا انهم بعد ذلك يقولون ويصدر منهم ذلك القول. وعلى كل حال، فقد ظهر لك تأخر رتبة المضارع عن الماضي.
ثم إن رتبة اسم الفاعل متأخرة عن رتبة المضارع، لان مفاد اسم الفاعل انما يكون عنوانا متولدا من قيام العرض بمحله واتصافه به، فان مفاده هو الاتحاد في الوجود، وعينية وجود العرض لمحله، وهذا المعنى كما ترى متأخر بالرتبة عن تحقق العرض من فاعله الذي هو مفاد الفعل الماضي، وعن اتصاف الذات بالعرض الذي هو مفاد الفعل المضارع، فمفاد اسم الفاعل انما يتولد من مفاد الفعل المضارع. ومن