المقصد الثالث: في المفاهيم وقبل الخوض في المقصد ينبغي تقديم مقدمة.
وهي: ان المفهوم - على ما عرفت منا مرارا - عبارة عن المدرك العقلاني الذي يدركه العقل عند الالتفات إلى الشئ، حيث إن لكل شئ وجودا عقلانيا على طبق وجوده الخارجي، سواء كان ذلك الشئ من الماديات، أو المجردات. وسواء كان جزئيا، أو كليا. وذلك المدرك العقلاني يكون بسيطا، وليس مركبا من مادة وصورة، إذ المادة والصورة تكون من شؤون الوجود الخارجي، واما الوجود العقلاني فهو مجرد عن ذلك لا تركيب فيه. وذلك المدرك هو المعبر عنه: بالمفهوم، والمدلول، والمعنى، والمقصود، كل من جهة، الا ان الجميع يشير إلى امر فارد وشئ واحد.
والمفهوم، كما يكون في الألفاظ، الأفرادية، كذلك يكون في الجمل التركيبية، حيث إنه كما أن للمفردات معنى ومفهوما مدركا عقلانيا، كزيد، و عمرو، وانسان، وشجر، كذلك يكون للجمل التركيبية معنى ومفهوم، كزيد قائم، والنهار موجود، وغير ذلك. وكما أن للألفاظ المفردة معنى مطابقيا ومعنى التزاميا، فكذلك يكون للجمل التركيبية معنى مطابقي ومعنى التزامي. وكما أن لازم المعنى الافرادي تارة: يكون بينا أخص، وأخرى: يكون أعم، فكذلك لازم المعنى التركيبي ينقسم إلى هذين القسمين.
واما الدلالة التضمنية فهي لا واقع لها، سواء في الألفاظ الأفرادية أو الجمل التركيبية لما عرفت: من أن المعنى والمفهوم هو المدرك العقلاني الذي يكون بسيطا مجردا عن المادة وليس له جزء، فالدلالة التضمنية لا أساس لها وان كانت مشهورة في الألسن، بل الدلالة اما ان تكون مطابقية، واما ان تكون التزامية.