لا يلزم منه ان يكون القدرة المعتبرة في جل التكاليف شرعية حتى ينافي تقسيم القدرة إلى شرعية وعقلية وترتيب ما يترتب على هذا التقسيم من الثمرات كما سيأتي، و ذلك لان مرادنا من القدرة الشرعية ما اخذت في لسان الدليل بحيث يستكشف منه ان لها دخلا في ملاك الحكم ومناطه، كما في قوله (1) تعالى، لله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا، حيث قيد الوجوب بالاستطاعة في نفس الدليل، وأين هذا مما نقوله في المقام من اقتضاء كل خطاب القدرة على متعلقه، فان ذلك لا يوجب ان تكون القدرة شرعية.
وحاصل الضابط بين القدرة التي نسميها شرعية والقدرة التي نسميها عقلية، هو انه إذا اخذت القدرة في موضوع الخطاب المستكشف من ذلك مدخليتها في ملاك الخطاب كانت القدرة حينئذ شرعية، سواء اخذت في موضوع الخطاب صريحا كما في آية الحج، أو كانت مستفادة من خطاب آخر كما في آية الوضوء - على ما سيأتي بيانه - وان لم تؤخذ في موضوع الخطاب، بل كانت مما يقتضيه نفس الخطاب، اما لمكان قبح مخاطبة العاجز عقلا، واما لمكان كون الخطاب هو البعث والتحريك نحو المقدور - على ما بيناه - كانت القدرة عقلية، وسيأتي مزيد توضيح لذلك.
وعلى كل حال، فقد ظهر لك: ان بناء على توقف صحة العبادة على الامر بها يكون الحق مع البهائي من عدم الثمرة في اقتضاء الامر بالشئ للنهي عن ضده و عدم اقتضائه، إذ لا امر بالضد على كل حال، فالعبادة لا تصح مطلقا، الا ان الشأن في أصل المبنى، لوضوح انه لا يتوقف صحة العبادة على الامر بها، بل يكفي في صحة العبادة اشتمالها على الملاك التام، وان لم يؤمر بها فعلا لمانع. ومن هنا قلنا: يكفي قصد الجهة في العبادة ولا يحتاج إلى قصد امتثال الامر، خلافا للمحكى عن صاحب الجواهر (2) حيث اعتبر خصوص قصد امتثال الامر في صحة العبادة، و يلزمه القول ببطلان الضد إذا كان عبادة. ولكن الانصاف: ان الالتزام بذلك