الامر، وجعل هذا هو الأصل في تحقق العبادة، وتلك الدواعي من باب الداعي للداعي، ولا تصلح ان تكون هي تمام الداعي، بل لابد من أن يأتي بالصلاة بداعي امتثال أمرها ويكون داعيه إلى ذلك هو دخول الجنة مثلا، أو خوف النار، أو كونه اهلا لذلك. فجعل أهليته للعبادة التي هي أقصى مراتب العبادة في طول داعي امتثال الامر.
وذهب جماعة (1) إلى كفاية قصد جهة الامر في العبادة، ولا تتوقف على قصد خصوص امتثال الامر، بل يكفي قصد الملاك والمصلحة التي اقتضت الامر. و ذهب شيخنا الأستاذ مد ظله إلى كفاية فعل العبادة لله ولو مع عدم قصد الامتثال أو الجهة، بل يكفي كونها لله كما يدل على ذلك بعض الاخبار، وقد ذكرنا تفصيل ذلك في الفقه عند البحث عن نية الصلاة (2) فراجع.
وعلى كل حال، ان اخذ خصوص قصد امتثال الامر في متعلق الامر يستلزم ما ذكرناه من تقدم الشئ على نفسه في مرحلة الانشاء، والفعلية، و الامتثال. وان اخذ قصد الجهة في متعلق الامر لا قصد امتثال الامر يلزم الدور، وذلك لان قصد المصلحة يتوقف على ثبوت المصلحة ولو فيما بعد، والمفروض انه لا مصلحة بدون قصدها، إذ قصد المصلحة يكون من أحد القيود المعتبرة، والصلاة لا تشتمل على المصلحة الا بعد جامعيتها لجميع القيود المعتبرة فيها التي منها قصد المصلحة، فكما ان الصلاة الفاقدة للفاتحة لا يكون فيها مصلحة، كذلك الصلاة الفاقدة لقصد المصلحة لا تشتمل عليه المصحلة، فيلزم ح ان تكون المصلحة متوقفة على القصد إليها، و القصد إليها يتوقف على ثبوتها في نفسها من غير ناحية القصد إليها، فلو جاءت من ناحية نفس القصد إليها يلزم الدور، وذلك واضح. فإذا امتنع القصد على هذا الوجه، امتنع جعل قصد المصحلة قيدا في المتعلق، لان جعل ما يلزم منه المحال محال.
هذا إذا قلنا باعتبار قصد الجهة.