إذا كان الدليل من العقل الضروري، وفى هذا القسم يكون من احتفاف الكلام بما يصلح للقرينية، والنتيجة واحدة.
وأما إذا كان الدليل من العقل النظري، أو الاجماع، فهو بمنزلة المخصص المنفصل لا يوجب اجمال العام، ويرجع إليه. ومجرد احتمال كون العداوة من قيود الموضوع لا اثر له، بعد ما كان الكلام ظاهرا في اكرام جميع افراد الجيران، فتأمل فيما ذكرناه.
المبحث الثالث:
من مباحث العام والخاص، انه لا اشكال في عدم جواز الاخذ بالأصول اللفظية - من أصالة العموم والاطلاق - قبل الفحص عن المقيد والمخصص، كما لا يجوز الاخذ بالأصول العملية قبل الفحص عن أدلة الاحكام وان كان بين البابين فرق، من جهة ان الفحص في الأصول العملية انما يكون فحصا عن أصل الحجة، حيث إن حجية الأصول العملية مقصورة على ما بعد الفحص وليس لها مقتضى قبل الفحص، فالفحص فيها يكون لاحراز المقتضى لجريانها، لان الأصول العملية اما ان يكون مدركها العقل: من قبح العقاب بلا بيان، واما ان يكون مدركها الشرع: من حديث الرفع، ولا تنقض اليقين بالشك.
اما العقل: فواضح ان حكمه بقبح العقاب انما هو بعد الفحص وحركة العبد على طبق ما يقتضيه وظيفة العبودية من البحث عن مرادات المولى. وحكم العقل بوجوب الفحص يكون من صغريات حكمه بوجوب النظر إلى معجزة من يدعى النبوة، حتى لا يلزم افحام الأنبياء، وذلك واضح.
واما النقل: فلو سلم اطلاق أدلة الأصول لما قبل الفحص، الا انه قام الاجماع على اعتبار الفحص، وانه لا مجرى للأصول الا بعد الفحص. مع أنه يمكن منع اطلاقها من جهة انه لا يمكن تشريع حكم يوجب افحام النبي (صلى الله عليه وآله) بعد ما عرفت: من أن الفحص في المقام يكون من صغريات الفحص عن معجزة النبي (صلى الله عليه وآله)، فتأمل. وسيأتي لذلك مزيد بيان في محله انشاء الله. هذا في الأصول العملية.