كان وجوب الحج بعد فرض حصول الاستطاعة، فكيف يكون الحج واجبا في كلتا صورتي وجود الاستطاعة وعدمها الذي هو معنى الاطلاق؟ وهل هذا الا الخلف و التناقض؟ فإذا امتنع الاطلاق في طرف المادة امتنع التقييد أيضا لا محالة، فان تقييد المادة بالاستطاعة مثلا يقتضى لزوم تحصيلها، كما هو الشأن في كل قيد يرجع إلى المادة، وبعد فرض حصول الاستطاعة، كما هو لازم اخذها قيدا للهيئة - لما عرفت من أن القيود الراجعة إلى الحكم لا بد ان يؤخذ مفروضة الوجود - لا معنى لتقييد المادة بالاستطاعة الذي يقتضى تحصيلها، لأنه يكون من طلب الحاصل.
فدعوى ان تقييد الهيئة يستلزم تقييد المادة مما لا ترجع إلى محصل.
نعم النتيجة المقصودة من تقييد المادة حاصلة عند تقييد الهيئة، لان المقصود من تقييد الحج بالاستطاعة ليس الا وقوع الحج بعد التلبس بالاستطاعة، كما أن المقصود عن تقييد الصلاة بالطهارة هو وقوع الصلاة في حال التلبس بالطهارة، وهذا المعنى حاصل بعد تقييد الهيئة، لأنه لو تأخر وجوب الحج من الاستطاعة، فالحج الواجب يقع بعد الاستطاعة لا محالة، فالنتيجة المطلوبة من تقييد المادة حاصلة قهرا عند تقييد الهيئة، ولكن هذا غير تقييد المادة بحيث يكون رجوع القيد إلى لهيئة موجبا لتعدد التقييد ويرجع الشك في المقام إلى الشك في قلة التقيد وكثرته حتى يقال:
ان الأصل اللفظي يقتضى قلة التقييد.
فظهر انه عند دوران الامر بين تقييد المادة وتقييد الهيئة يكون من الدوران بين المتباينين، لا الأقل والأكثر.
وبعد ذلك نقول: ان القيد تارة يكون متصلا بالكلام، كما إذا ورد: حج مستطيعا، ودار الامر بين رجوع قيد الاستطاعة إلى الوجوب حتى لا يجب تحصيلها، أو إلى الحج حتى يجب تحصيلها.
وأخرى يكون منفصلا، كما إذا ورد حج، وبعد ذلك ورد دليل منفصل يدل على اعتبار قيد الاستطاعة، ودار أمرها بين الامرين، فان كان القيد متصلا بالكلام فلا اشكال في اجمال الكلام حينئذ لاحتفافه بما يصلح لكلا الامرين بلا معين، فلا يكون للهيئة اطلاق ولا للمادة، لاتصال كل منهما بما يصلح للقرينية،