الخامس: أن يكون حال ألفاظ العبادات كحال الألفاظ الموضوعة للمقادير، فكما أنها وضعت لمقادير مخصوصة ثم صارت حقائق فيما كان زائدا أو ناقصا عنها بمقدار يتسامح، أو أنها وضعت من أول الأمر لما كان بذلك المقدار الخاص، ولما كان زائدا أو ناقصا عنه بمقدار يتسامح عرفا.
وإن كان الملحوظ حين الوضع هو المقدار الخاص إلا أن اللفظ لم يوضع لخصوصه بل للأعم منه ومن الزائد والناقص بمقدار يتسامح.
والفرق بين هذا الوجه وسابقه أن تطبيق المفهوم على المصداق بناء على الوجه السابق إنما هو بتوسعة في المفهوم حتى يشمل ذلك المورد، فإن لفظ ال " ترشي " الذي هو موضوع لمركب خاص واجد لأثر خاص إنما وسع مفهومه بإرادة ما كان واجدا لذلك الأثر من باب الاستعارة على مذهب السكاكي (1).
ولأجل هذا طبق على ذلك المركب الخاص من جهة كونه واجدا لذلك الأثر، ولكن في هذا الوجه لم يوسع المفهوم، بل نزل الفاقد منزلة الواجد بناء على أن يكون الوضع فيها من أول الأمر لخصوص المقدار المخصوص، وأما لو كان الوضع فيها للأعم من الواجد والفاقد فهو من قبيل الوجه السابق.
والحاصل: أن تطبيق المفهوم على ما ليس مصداقه حقيقة لابد أن يكون إما بتوسعة في المفهوم، أو بتنزيل المصداق الفاقد لما اعتبر في المفهوم منزلة الواجد.
وفيه: أن في المقادير لما كان الموضوع له مقدارا معينا أو ما يقرب منه في طرف الزيادة والنقيصة يمكن ذلك فيها بأن ينزل الفاقد منزلة الواجد، ويطلق اللفظ بناء على القول بأن الموضوع له فيها مقدار معين. وأما على القول بأن الموضوع له فيها من أول الأمر هو ما يقرب منه في طرف الزيادة فليس إطلاقه على الزائد أو الناقص بذلك المقدار من باب تنزيل الفاقد للواجد أو تنزيل الواجد لما زاد بمنزلة الفاقد، بل اللفظ موضوع للأعم مما بين الحدين كما إذا قلنا: إن لفظ الربع - مثلا -