المقصود منها المعرفة أو عقد القلب والالتزام والتدين بها أم لا؟
فنقول لا إشكال في أنه لو تحقق موضوع الاستصحاب بتحقق أركانه وشرائطه في الأمور الاعتقادية يجري فيها الاستصحاب، كما يجري في غيرها من الأحكام الفرعية والموضوعات الخارجية، وإنما لا يجري الاستصحاب بالنسبة إلى بعضها، من جهة عدم تحقق موضوعه، وذلك لأن الأمور الاعتقادية على قسمين:
أحدهما: ما يكون المطلوب فيه نفس المعرفة والإيقان به، إما عقلا أو شرعا كمعرفة المنعم وما يرجع اليه من صفاته، ومعرفة النبي، بل الإمام بناء على الأصح، ومقابل الأصح أنها من الواجبات الفرعية، كما هو قول العامة، وعلى هذا يكون الإمامة مما تجب معرفته شرعا لا عقلا.
والثاني: ما يكون المطلوب منه عقد الطلب والالتزام إما عقلا أو شرعا كتفاصيل البرزخ والمعاد - مثلا - وفي كلا القسمين إن أريد إجراء الاستصحاب بالنسبة إلى الأحكام المتعلقة بهما كوجوب هذه المعرفة أو هذا الاعتقاد والالتزام فلا مانع منه، إذا كان الدليل على الوجوب هو الشرع لتحقق موضوعه وهو اليقين السابق والشك اللاحق، كما في الأحكام الفرعية، وإن كان الدليل على الوجوب هو العقل فلا يجري [الاستصحاب]، كما لا يجري بالنسبة إلى الأحكام الفرعية التي يكون الدليل عليها هو العقل، لما تقدم من أن العقل إن أحرز موضوع حكمه فيحكم به قطعا، وإن لم يحرزه فلا يحكم به قطعا فليس مورد شك حتى يجري فيه الاستصحاب.
وإن أريد إجراء الاستصحاب بالنسبة إلى موضوعاتهما: فمنها: ما لا يكون قابلا للزوال على تقدير الوجود - كذات الصانع تعالى وصفاته وأحوال المعاد - ومنها: ما يكون قابلا للزوال على تقدير الوجود كالنبوة بناء على أنها منصب جعلي الهي، وإن كان منشأ هذا الجعل والنصب هو كمال النفس ووصولها إلى مرتبة قابلية هذا المنصب الجليل، - كما يشعر به بعض ما ورد من تهديد الأنبياء