فبعض حملها على النهي وأن المراد من " لا ضرر " حرمة الاضرار، وهذا الحمل محكي عن البدخشي حيث قال: الضرر والضرار ممنوع عنه شرعا.
وتحقيق ذلك أن النفي هاهنا بمعنى النهي بقرينة أصل الضرر الواقع.
وفيه: مع بعده بملاحظة نظائرها مثل لا عسر ولا حرج أنه لا يمكن حمل النفي على النهي والتحريم في رواية الشفعة، لعدم فعل يتعلق به التحريم، مع أن الصادق (عليه السلام) إنتسب الشفعة فيها بقاعدة " لا ضرر " والعلماء استدلوا بها على ثبوت خيار الغبن والعيب، ولا حرمة في بيع المغبون فيه والمعيب.
وآخر حملها على ضرر الغير المتدارك، بدعوى أن الضرر المتدارك ليس بضرر أدعاءا. وفيه - مع تسليم أن الضرر المتدارك ليس بضرر - أنه إن أريد التدارك بحسب الخارج فهو خلاف الواقع، لكثرته خارجا، وإن أريد التدارك بحسب حكم الشارع بمعنى أنه ليس في الخارج ضرر لم يحكم الشارع بتداركه.
ففيه: أن الضرر الواقع لم يخرج عن كونه ضررا بمجرد حكم الشارع، بل الذي يخرجه عن كونه ضررا هو التدارك الخارجي.
وثالث حملها على نفي الحقيقة ادعاءا بلحاظ نفي الحكم، وبعبارة أخرى أن المنفي هو الحكم بلسان نفي الموضوع كما في " يا أشباه الرجال ولا رجال (1) " فإن الموضوع الذي لاحكم له ولا أثر بمنزلة العدم.
وفيه: أن هذا المعنى إنما يصح فيما إذا كان للموضوع أثر يمكن نفيه عنه كما في " لا رجال " و " لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد (2) " وأمثالهما، حيث إن للرجال آثار ولوازم واقعية وللصلاة أحكام ولوازم شرعية، فتعلق النفي بهما بلحاظ تلك الآثار والأحكام والضرر ليس من هذا القبيل، إذ الأحكام التي موضوعها الضرر لا يمكن رفعها برفعه، لأن الموضوع بمنزلة العلة التامة للحكم، ولا يمكن رفعها عنه إلا بالنسخ فمثل الضمان الذي رتب على موضوع الاضرار