يكون له وجه آخر غير ما ذكرنا، إذ نحن لا ندعي بانحصار الوجه فيما ذكرنا.
ثم إنه حكي عن الفاضل التوني أنه ذكر لإجراء أصالة البراءة شرطين آخرين: أحدهما أن لا يكون موجبا لثبوت حكم شرعي من جهة أخرى، الثاني أن لا يكون موجبا للضرر على آخر (1).
أما الشرط الأول ففيه: أنه لو كان ثبوت تكليف لازما أو ملازما لنفي تكليف فعلي آخر كوجوب الحج على المستطيع الذي لا يكون ذمته مشغولة بالحقوق المالية فلا مانع من جريان أصالة البراءة عند الشك في اشتغال الذمة بها واثبات وجوب الحج، لأن موضوع وجوب الحج إذا كان من لم تشتغل ذمته فعلا بتلك الحقوق فلا مانع من جريان البراءة العقلية والنقلية عند الشك في اشتغال الذمة بها فيما إذا كانت الشبهة بدوية ولا محيص عن ترتب وجوب الحج عليه، لأن الحكم لا يتخلف عن موضوعه، ولو كان لازما أو ملازما لنفي تكليف آخر واقعا كما في المثال المذكور لو فرضنا أن وجوب الحج مترتب على من لم تشتغل ذمته بالحقوق المالية واقعا فلا مانع من جريان أصالة البراءة أيضا، إلا أن ذلك التكليف الآخر لا يثبت، لأن أصالة البراءة لا تثبت فراغ الذمة واقعا - كما لا يثبته الاستصحاب الذي لسانه لسان الواقع وله جهة برزخية بين الأمارات والأصول - عن هذه الحقوق الذي هو الموضوع لوجوب الحج حسب الفرض، وإذا لم يثبت الموضوع لا يترتب عليه حكمه، وهذا لا ربط له باشتراط جريان أصالة البراءة بأن لا يكون موجبا لثبوت تكليف أخر.
وما ذكره (قدس سره) من الأمثلة مع أنه خلط بين أصالة البراءة وأصالة العدم.
أما المثال الأول وهو إجراء أصالة عدم وجوب الاجتناب عن أحد الإناءين المشتبهين الموجب لثبوت الاجتناب عن الآخر ففيه: أن الأصول لا تجري في أطراف العلم الاجمالي إما لقصور أدلتها عن شمول أطراف المعلوم بالإجمال، وإما لأن إجراءها في أحد الطرفين ترجيح بلا مرجح، وفي كلا الطرفين موجب