هذه المسألة بعد الفراغ عن حكم العقل بحسن شيء أو قبحه في أن الشرع هل يحكم على طبقه، أم لا؟ كذلك في حكمه الظني أيضا على نحوين يتصور أحدهما:
أن يكون النزاع صغرويا وأنه هل يحكم العقل ظنا بهذا الحكم، أم لا؟ مثلا هل يحكم من جهة وجود الشيء سابقا ببقائه لاحقا ظنا، أو لا يحكم؟
والثاني: أن يكون النزاع كبرويا بأن يكون النزاع في حجية هذا الحكم الظني بعد الفراغ عن ثبوته وتحققه.
فعلى هذا، البحث عن حجية الاستصحاب بناء على القول باعتباره من باب الظن من المسائل الأصولية، سواء كان البحث صغرويا أو كبرويا، كما عرفت سابقا من أنه بناء على كون معتبرا من [باب] الظن لابد من إحراز الصغرى والكبرى جميعا، وكذا بناء على كونه معتبرا من باب بناء العقلاء، وأما بناء على كونه معتبرا من باب التعبد والأخبار فيكون قاعدة فقهية مستفادة من الأخبار كقاعدة اليد والطهارة والتجاوز والفراغ ولا ضرر وأمثالها.
فبناء على كون علم الأصول علما مستقلا وامتيازه ليس بتمايز الموضوع والمحمول، بل بتمايز الغرض كما تقدم من أن امتياز العلوم بعضها عن بعض ليس منحصرا بتمايز الموضوعات، بل يحصل بتمايز الموضوعات أو المحمولات أو الأغراض، إذ الامتياز لابد أن يكون بجهة جامعة، والجهة الجامعة تحصل بكل واحد منها، كما يشعر بذلك تعريف علم الأصول بانه العلم بالقواعد الممهدة لاستنباط الأحكام الشرعية، فلا مانع من إدخال جميع هذه القواعد المذكورة في علم الأصول إذا كان المراد من الأحكام الشرعية أعم من الواقعية كالأحكام المستنبطة بالأدلة الاجتهادية والظاهرية كالوظائف العملية التي جعلها الشارع وظيفة للشاك في مقام العمل أو يلحق بالتعريف أو ينتهي إليه المجتهد في مقام العمل كما صنعه صاحب الكفاية (1) (قدس سره)، بل جعل قاعدة لا ضرر وأمثالها مما يستفاد منها الحكم الواقعي داخلا في المسائل الأصولية أولى من جعل الاستصحاب