كما إذا اعتقد أن تكليفه الإتيان بصلاة الظهر جهرا وأتى بها كذلك، والحال أن تكليفه واقعا هو الإخفات كانت المسألتان مثالا للمقام وهو العمل بالبراءة قبل الفحص وإن كان الحكم بالصحة فيهما مخصوصا بالجاهل المركب كانتا تنظيرا للمقام، إذ مقتضى القواعد أن عمل الجاهل العامل بالبراءة قبل الفحص كالمحتمل للخلاف هو البطلان ووجوب الإعادة في الوقت لو كان مؤقتا وكان وقته باقيا بلا استحقاق العقاب وكذا لو كان غير مؤقت أو وجوب القضاء في خارج الوقت مع الإثم لو كان القضاء مشروعا فيه، وإلا فالإثم فقط. إلا أنه ثبت بالنص والفتوى في نظير المقام وهي مسألة كل من الجهر والإخفات في موضع الآخر ومسألة الاتمام في موضع الآخر صحة عمل الجاهل المركب، واستحقاقه العقاب على تركه المأمور به الواقعي على النحو الذي أمر به، والحال أن الصحة واستحقاق العقاب متنافيان ولا يجتمعان، إذ الصحة عبارة عن مطابقة المأتي به مع المأمور به، فلو كان المأتي به مطابقا للمأمور به لكان العمل صحيحا فلا وجه لاستحقاق العقاب، ولو كان غير مطابق له فيستحق العقاب على ترك المأمور به، ولا وجه للصحة.
فالجمع بينهما من قبيل الجمع بين المتناقضين، فإذا أخفت المكلف في موضع الجهر جهلا بأن تكليفه الواقعي هو الإخفات فمقتضى القواعد أنه لو كانت الصلاة مؤقتة كالصلوات اليومية فإن انكشف الخلاف في الوقت مثل ما إذا أخفت في صلاة الصبح وانكشف الخلاف قبل طلوع الشمس أن يعيد الصلاة جهرا في الوقت ولا إثم عليه، وإن انكشف الخلاف في خارج الوقت أن يقضيها جهرا إن كان القضاء مشروعا فيه مع الإثم بتركه المأمور به الواقعي في وقته عن جهل غير معذور به، وإن لم يكن القضاء مشروعا فيه فلا شيء عليه غير الإثم، ولو كانت الصلاة غير مؤقتة وأخفت في موضع الجهر كما في الصلوات اليومية القضائية فإنه بعد قضائها لا وقت لها، فإذا أخفت في صلاة قضاء الصبح مثلا يجب عليه أن يعيدها جهرا متى انكشف الخلاف، ولا إثم عليه وكذلك في مسألة الإتمام في موضع القصر فالحكم بالصحة في هاتين المسألتين مع كون العمل على خلاف